Site icon IMLebanon

عن 14 آذار الحقيقيّة!

 

إذا كان البعض يستذكر محطة الرابع عشر من آذار على أنها شرارة الانطلاق لتلك الحرب العبثيّة الشعواء التي شنّها العماد ميشال عون وأسماها “حرب التحرير”، فإن الغالبيّة الساحقة من اللبنانيين تستذكرها على أنها محطة مجيدة في تاريخ النضال الشعبي اللبناني المعاصر والتي عمليّاً أفضت، إلى جانب مجموعة من العوامل الأخرى الموازية، إلى الخروج العسكري السوري في 26 نيسان 2005 من لبنان بعد أن دخل إليه سنة 1976 تحت عنوان وقف الحرب الأهليّة بينما كان مخططه الفعلي ضرب الثورة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة.

 

وما كان إغتيال كمال جنبلاط الذي تمر ذكرى إستشهاده المدوي وقد ترك فراغاً وطنيّاً هائلاً (في 16 آذار 1977) إلا الممر الحتمي للسيطرة التامة على لبنان وقراره المستقل. لقد دخلوا على دم كمال جنبلاط وخرجوا على دم رفيق الحريري. هذه هي التضحيات الحقيقيّة التي أدّت إلى الخروج السوري من لبنان وبأكلاف باهظة، وليس حرب التحرير التي كانت من دون أي أفق سياسي أو عسكري وكان هدفها الوحيد الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة ولو على أشلاء اللبنانيين.

 

وغني عن التذكير طبعاً بحرب الإلغاء التي تلت حرب التحرير وأتت على ما تبقى من مقومات البقاء آنذاك وإستكملت موجة الهجرة (لا سيما المسيحيّة) وكانت الموجة الأكبر قبل الموجة الحاليّة بحيث يقف اللبنانيون أمام أبواب السفارات بحثاً عن أي فرصة في الخارج بعد فقدان الثقة بالوطن تماماً.

 

ليست مصادفة على الإطلاق أن تقع هذه الكوارث السياسيّة والعسكريّة والانسانيّة في عهد العماد ميشال عون، حكومة عسكرية بتراء ورئاسة جمهوريّة عرجاء. والانتقاد هنا ليس شخصيّاً بل ينطلق حصراً من الاعتبارات السياسيّة والقراءة الموضوعيّة للتطور السلبي للأحداث تحت قيادته.

 

ثمة عبثيّة من الطراز الاستثنائي تتحكم بكل أدبيّات الرئيس وتياره، وثمة شعارات مضى عليها الزمن يُعاد إستهلاكها بشكل شعبوي وممجوج: الرئيس القوي، الصلاحيات الرئاسيّة، حقوق المسيحيين، تعديل إتفاق “الطائف” بقوة الممارسة، وسواها من العناوين والشعارات التي لم تعد تناسب المكان والزمان وأصبحت خارج السياق السياسي والتاريخي تماماً.

 

هموم الناس ومشاكلها في مكان آخر، قلقها على يومياتها بما تتعرّض له من إذلال منظم على محطات الوقود أو المحال التجارية أو السوبرماركت، خوفها على مستقبل أولادها في وطن ظنّت أن بإمكانها أن تبني فيه أحلامها وأن تحققها. الناس غاضبة وهذا حقها. الناس خائفة وهذا أيضاً حقها.

 

ولكن أن تواصل قوى سياسيّة قابضة على القرار السياسي في البلد عملها كالمعتاد وكأن شيئاً لم يكن، ففي ذلك مشكلة كبيرة. وأن تتغاضى عن إنفجار مرفأ بيروت ونتائجه الكارثيّة إنسانيّاً وإقتصادياً وإجتماعياً وعمرانيّاً فذلك مشكلة أكبر. إنما الطامة الكبرى أن تشيح بنظرها عن المبادرة الرئاسيّة الفرنسيّة بكل ما تتضمنه من بنود لمساعدة لبنان على الخروج من مأزقه الكبير وأزماته المتراكمة والمتلاحقة، ففي ذلك ما يماثل الخيانة العظمى.

 

إن هذا الاهمال والانكار والرفض وفرض الشروط التعجيزيّة هو ما يستحق التخوين وليس قول رأي سياسي مغاير للتيار السائد يجعل من مطلقه خائناً وعميلاً. إلى متى يُفترض باللبنانيين أن يتحملوا ويصبروا؟

 

في الرابع عشر من آذار، ومهما إختلفت القراءات لتعقيدات تلك المرحلة وتحدياتها، لا يمكن إلا توجيه التحية إلى جميع شهدائها: رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميّل وأنطوان غانم ووليد عيدو ووسام عيد ووسام الحسن وفرنسوا الحاج ومحمد شطح وسواهم من الأحرار، والشهداء الأحياء: مروان حمادة ومي شدياق والياس المر.