Site icon IMLebanon

14 أيلول.. إغتيال حلم لبنان  

 

عام 1992 وفي الذكرى العاشرة على اغتيال الرئيس الشيخ بشير الجميّل نشرت جريدة النهار نصّ خطاب القسم الذي لم يتسنَّ له أن يُلقيَه.. من يقرأ خطاب القسم هذا يدرك أنّ ذاك البشير كان ينظر إلى الواقع اللبناني بـ «عيني صقر».. ويعتبر خطاب قسمه هذا وثيقة تاريخيّة لأنه يعلّم اللبنانيين فيه معنى «المواطنة» والولاء للبنان، ولأنّ خطاب قسمه هذا دليل صارخ على أن مصيبة لبنان كانت دائماً في ارتهان قسم من شعبه للآخرين، وفي قسمه هكذا تصوّر بشير الجميّل لبنان ودولته ورئيسها وشعبها ومؤسساتها الدستورية: «لا أقسم اليمين الدستوريّة أمامكم لتكونوا شهوداً فحسب، بل شركاء انتخبتموني، ساعدوني وإذا قضى النظام الديموقراطي البرلماني بأن يُؤدّى القسم عبر مجلس النواب، من دون سواه، فلكي يُلزمه قبل سواه مساعدة رئيس الدولة في اشتراع وإقرار كل ما يؤول إلى تنفيذ القسم القاضي باحترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها، وحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه. لكن لا الدستور مصون، ولا القوانين مطبقة، لا الاستقلال كامل، ولا الأرض محررة، لا الوطن سيّد، ولا الأمّة موحدة، إنّ قسمي على روح غائب»…

 

أما كيف رأى بشير الجميل هذا الكيان اللبناني، لقد سبقنا بشير بثمانية وثلاثين عاماً عندما وصف المجتمع اللبناني وعلى أي صورة يجب أن يكون: «يجب أن يبقى مجتمعنا اللبناني أصيلاً حراً منفتحاً ومتعدداً. أصالته التراثية لا تعوق انطلاقته الكونيّة. انفتاحه الشمولي لا يطغى على جوهره الذاتي. حريّته المتنوعة لا تُسيء إلى حرمة نظامة. تعدديته الحضارية لا تؤثر على وحدته السياسية والكيانية. فلا أولوية في الولاء ولا شركة في الولاء، ولا ولاء إلا للبنان»، كم «آآآآخ» يستحقّ هذا الوصف الدقيق، بل ألا يستحقّ هذا الوصف أن يكون دستوراً للمواطنية وللوطن؟؟

وفي خطاب القسم الذي لم يتسنَّ للرئيس الشيخ بشير الجميّل أن يُلقيَه حدّد بشير دور الموالاة والمعارضة، أليست هذه «خوانيق» لبنان التي تزهق روحه بعد كلّ انتخابات، ومع كلّ تشكيل لحكومة جديدة، خصوصاً هذه الأيام، اقرأوا جيداً لتعلموا كم كان بشير الجميل ثاقب النظر وعميقه في أزمات لبنان:»إنّ الدولة وحدة لا تتجزّأ، تُقبل بكلّيتها، أو ترفض بكلّيتها. ولا يحقّ أساساً لأي فئة أن تُعارض الشرعية في ممارسة حقوقها، بل واجباتها، للدفاع عن شعبها. فالمعارضة تقف عند سياسة الدولة ولا تطاول مؤسساتها. معارضة سياسة الدولة ربما هي ضرورة برلمانية. معارضة مؤسسات الدولة هي حتماً ضرر وطني. إن مثل هذه السلطة تحقق الوفاق. الوفاق حكم لا لقاء، إرادة وطنية لا إجماع وطني […] الإجماع الوطني تسوية ديموقراطيّة، الوفاق قناعات موحدة تجاه الوطن، لا تنازلات متبادلة بين فئات الوطن ـ وهذا الكلام برسم المنظّرين الذين يطالبون بأقصى التنازلات ـ التنازل افتئات من حقّ، وهذا يترك انزعاجاً. الاقتناع صدى الحقّ، وهذا يترك ارتياحاً. الوفاق أكثرية موالية وأقلية معارضة. والمعارضة جزء من الوفاق مثلما الموالاة».

لو قدّر لبشير الجميل أن يحكم لبنان، وبحسب خطاب القسم الذي لم يُتِح له أن يقسمه لكنّا وفرنا على أنفسنا وعلى لبنان الكثير.. ولو أصغى البعض لمبادرة بشير في 3 تشرين الثاني 1981 لِحلّ الأزمة اللبنانية والتي اختصرها في أربعة بنود، ولو أصغى البعض لتحذيرات بشير الجميل في العام 1980 الذي كان أول من نبّه اللبنانيين إلى الخطر الإيراني المقبل على المنطقة ولبنان، لكنّا وفّرنا على أنفسنا اليوم الكثير من المحن، وما مشهد جلسات المحكمة الدوليّة اليوم إلا أحدها، ولكن الـ «لو» لا تجدي نفعاً فلا ثمرة لها إلا «يا ليت»!!

بعد ظهر يوم 14 أيلول نمنا على عتمة كهرباء غير متوفرة في منطقة الطريق الجديدة على خبر نجاة الرئيس المنتخب من انفجار استهدفه، وصحونا على «هدير» الطائرات الإسرائيليّة الآتية، وعلى نبأ صاعق: «مات بشير الجميل في الإنفجار»، سيبقى ذاك النهار لحظة لئيمة في تاريخ لبنان، في ذاك اليوم أعداء لبنان لم يخططوا لاغتيال بشير الجميّل فقط، كان هدفهم إغتيال «لبنان» كلّه.