الأسبوع المنصرم عقد مؤتمر ضمّ بعثة صينية وعدداً من رجال الاعمال اللبنانيين ونفراً من المسؤولين.
الصينيون وفدوا الى لبنان وهم مستعدون لاستثمار 1,5 مليار دولار في المشاركة في زيادة طاقة انتاج الكهرباء والاسهام في انجاز سد بسري الذي توافر له 600 مليون دولار من البنك الدولي ويخشى ألا يمكن الاستفادة من هذا التمويل لأن مجلس النواب عاجز عن الالتئام، كما أن وزارة الطاقة لا تبدي حماسة للحصول على التمويل سواء من البنك الدولي أو من الصينيين.
وزارة الطاقة وضعت برنامجاً تفصيلياً لزيادة انتاج الطاقة والاتكال على الغاز المستورد لتأمين اللقيم المناسب سواء على صعيد الاسعار أو المنافع البيئية.
واستناداً الى الوزارة، كان من المفروض ان ننعم بانتاج كهربائي يكفي الحاجات سنة 2015 ويمهد لإنهاء عقد الباخرتين اللتين توفران الكهرباء بكلفة 23 سنتاً للكيلووات ساعة، في مقابل 11-12 سنتاً متوقعة من انجاز معمل لإنتاج الكهرباء انجز التعاقد في شأنه بطاقة 500 ميغاوات وكلفة تقل عن 500 مليون دولار، لكن اعمال التنفيذ، التي استوجبت انتظار ستة اشهر لاخلاء الموقع، لم تتقدم بعد ذلك لخلاف على ما اذا كان على الشركة المتعاقدة دفع 10 في المئة ضريبة على القيمة المضافة. بكلام آخر، وزارة المال، التي تمول الانجاز، ترى ان على الشركة أن تلتزم هذه الضريبة، فترتفع حينئذٍ كلفة التنفيذ بنسبة 10 في المئة يفترض ان تدفعها وزارة الطاقة للمتعهد الذي يدفعها لوزارة المال.
بالطبع، هنالك مجال للمناقشة في شأن بنود العقد والامر الذي يبعث على التساؤل هو ما هي كلفة تأخير انجاز المعمل وقد تجاوزت الفترة السنة.
فارق الكلفة التشغيلية بين وسائل العمل الجارية ومنها عقد الباخرتين هو 12 سنت لكل كيلووات ساعة وحيث ان العجز الناتج من تشغيل نحو 1400 ميغاوات التي تعمل حالياً يقرب من 1,2 مليار دولار، يمكن القول إن الـ500 ميغاوات المتعاقد عليها تساوي من المعامل والبواخر العائمة نسبة 35,7 في المئة من الطاقة العاملة، ويفترض ان تسهم هذه الطاقة من المعامل القائمة والبواخر في العجز على مستوى 450 مليون دولار.
اذا افترضنا انجاز مصنع لتوليد الكهرباء بالاعتماد على الغاز بطاقة 500 ميغاوات، وبكلفة 12 سنتاً للكيلووات ساعة، يكون الوفر، على افتراض عدم زيادة اسعار المازوت حتى تاريخ انهاء المصنع، على مستوى 220 مليون دولار سنوياً.
لقد باتت قضية تزايد الدين العام، ودعم الكهرباء يمثل النسبة الكبرى من العجز، قضية ملحة، والارقام التقريبية للموازنة تفيد عن عجز يساوي 10,5 في المئة من الدخل القومي، ونسبة عجز كهذه تسهم في زيادة الضغط على التسليف بسبب زيادة حاجة القطاع العام الى الاقتراض، وتالياً يصير تمويل القطاع الخاص أكثر صعوبة.
الاستفاقة الى هذا الواقع المخيف لا يبدو انها تشغل تفكير السياسيين، والضغوط على الموارد العامة تتزايد بسبب الانكماش الاقتصادي، وضرورات الاسهام في تكاليف المهجرين، لان المساعدات الدولية لا تغطي الحاجات الرئيسية للتعليم والصحة وبصورة خاصة الايواء في مخيمات آمنة على صعيد السلامة.
التأخير في انجاز المشاريع الحيوية، سواء مصنع انتاج الكهرباء المتعاقد عليه، أو تطوير مصفاة طرابلس لتحقق وفراً على ميزان المدفوعات وتسهم في تنشيط طرابلس، أو تأخير انجاز سد بسري، أو تحسين صيانة تزويد بيروت المياه، أو مشكلة السير المستعصية، كلها أمور تشير بوضوح الى تأخر العمل الحكومي منذ 1998 وبصورة خاصة منذ 2005 واغتيال الرئيس الحريري ومن بعد تعطيل عمل الحكومة، والاعتصام المضر في وسط بيروت واقفال 170 مؤسسة تجارية.
على العكس من صورة العمل الحكومي، نجد المؤسسات الشبابية تعج بالطاقات، ونتلمس مدى تعلق الشابات والشباب اللبنانيين بأصول الحياة المستقرة والمتطورة في دولة يتمنون ان تصير دولة القانون.
الاحتفالات الفنية هذا الصيف غنية بالمشاركين فيها، وتعدد مناطق اطلاقها، من بعلبك، الى جونية، وجبيل، والزوق، وبالطبع بيت الدين، وهذه الحيوية في الاعداد والتنفيذ لا تتوافر الا في بلد يزخر بالطاقات والامل في مستقبل واعد.
الأمر العجيب ان زخم الحياة لدى الشباب اللبناني لا يزال يطغى على سواد التفكير السياسي، والسؤال هو الى متى تبقى فسحة الأمل، وهل يستفيق النواب الى انهم انتخبوا يوماً ما، قبل التمديد المتمدد، وانهم باتوا في غالبيتهم المطلقة متخلفين عن المعاصرة ومنشغلين باهتمامات لا تسهم في توفير حياة أفضل، بيئياً، وصحياً، وعلمياً وحضارياً لشعب يستحق الحياة، لكن أموره الأساسية بين أيدي مترددين في الانجاز، متقوقعين في خيم المصالح الخاصة، الفئوية والمذهبية والعصبية.