في مثل هذا التاريخ من العام 2011، شهدت سوريا المُنتفضة لكرامتها في وجه النظام «البعثي»، سقوط تمثال طاغية الشام والمنطقة في محافظة درعا، مع بداية الثورة السورية. وقد شكّل هذا السقوط التاريخي، منعطفاً جديداً في حياة السوريين الذين كسروا بعنفوانهم، جدار خوف سكنهم قرابة خمسين عاماً، كما شكّل تحوّلاً مفصليّاً في حركة الثورة السلمية في حينه قبل أن يستدرجها النظام برعاية الطاغية الإبن، الى ما هي عليه اليوم. وفي هذا التاريخ أيقن الشعب السوري بمختلف طوائفه، أن من يحكمه ويتحكّم بمفاصل حياته اليومية ليس سوى وهم من السهل انتزاعه فيما لو تحقّقت الوحدة والإرادة الجماعية.
في مثل هذه الأيام منذ ستّة أعوام، تشابكت الوقائع والمواقع، إذ قرّر شعب «الإرادة والحياة»، الخروج على جلاده بقبضاته وحناجره التي كانت السلاح الأقوى والأمضى في وجه نظام زرع القتل والرعب في نفوس الشيوخ والنساء والأطفال من أبناء شعبه لفترة حكم متوارثة تزيد عن أربعين عاماً ختمها بإقتلاع الحناجر وقصف الأطفال بالطائرات والبراميل المتفجرة والفتك به بالسلاح الكيميائي وصولاً الى إستعمال سلاحه الأخير، سلاح الحصار والتجويع حتى الموت بمعاونة داعمه الإيراني و»حزب الله» اللذين تركا بصمة واضحة في عالم التنكيل والإجرام دعماً للأسد الإبن. وفي السياق نفسه، لا بد من العودة بالذاكرة إلى تاريخ هذه الفترة يوم خرجت قوى الثامن من آذار مُعلنة تأييدها لنظام القتل والوصايا، وذلك بعد أيّام على دحر هذا النظام عن لبنان وتوجيهها رسالة شكر له بعنوان «شكراً سوريا».
هي ستّة أعوام مضت من عمر الثورة السورية تخللتها أحداث دامية أفضت إلى سقوط أكثر من نصف مليون قتيل ومليون ونصف المليون جريح وملايين النازحين في الداخل وإلى الخارج، والحبل على الجرّار مع إستمرار الحكم «البعثي» بالسير على نهج القتل والتنكيل والتدمير وقصفه للمدنيين الآمنين. وعلى الرغم من كل هذه الأوجاع والتضحيات، فإن القضيّة التي ثار من اجلها الشعب السوري وهي إنهاء حكم آل الأسد، لم تمت، بل على العكس فهي في حركة غليان دائم تُعبّر عن سلميّتها في الكثير من الأحيان رغم الظروف القاهرة. وتأكيداً منه على سلمية الثورة التي خرجت من رحم القهر والذل والإستبداد، فقد أصرّ الشعب السوري بالتزامن مع الذكرى، على التأكيد ان ثورته موجهة الى كل من يحمل مشروعاً خارج الإطار الوطني، فكانت الهتافات تطالب بدعم «الجيش السوري الحر» وبخروج الجماعات المُسلّحة الدخيلة على الثورة والمؤتمرة بحسب السوريين من إيران ونظام الأسد وخصوصاً تنظيم «داعش».
ما يدعو للتساؤل والإستغراب، هو أنه على الرغم من الإحصاءات الدولية والسورية الرسمية التي تؤكد قتل وجرح ونزوح كل هذه الأعداد المذكورة أعلاه، ويُضاف اليها تقرير للأمم المُتحدة يؤكد أن 2.8 مليوني سوري يعانون إعاقة جسدية دائمة بسبب الحرب المستمرة في سوريا، وتعرّض 30 ألف سوري شهرياً لصدمة نفسية جراء الصراع، فإن النظام وحليفه «حزب الله» الغارق حتى أُذنيه في هذه الحرب ومن خلفهما النظام الإيراني، لم يقتنعوا بعد بأن كل هذه الجرائم، لن تزيد الشعب السوري إلا عزماً وإيماناً بقضيته حتى ولو طالت ستّة أعوام أخرى وأدت إلى سقوط أضعاف الذين سقطوا طيلة الفترة الماضية.
أيضاً، ومن باب الرقص على أوجاع الشعب السوري، وتأكيداً منهم الإستمرار على نهج الطاغية الأسد، زار وفد من جماعة «شكراً سوريا» أمس، السفير السوري للتضامن مع القاتل دون الشعور بأدنى المسؤولية تجاه الشعب الذي يُذبح يوميّاً بفعل الدعم المُماثل الذي يلقاه من بعض الدول والميليشيات وعصابات القتل. وقد تباكى هؤلاء على ما اسموه «سوريا القديمة» مقارنة مع ما هي عليه اليوم من دمار وتغيير لمعالمها وشعبها. ومن بين الركام صورة لطفل فقد عائلته ومشهد لأطفال تمدّدوا على الأرض كألواح خشبيّة من جرّاء إصابتهم بمواد سامّة، أطلّ سفير النظام ليُعلن أن «شارة النصر الكبيرة تحققها سوريا اليوم».
ما يؤكده الشعب السوري على الدوام، أن «حزب الله» وإيران، كان لهما الدور الأبرز في تحويل مسار الثورة وجعل سوريا كلها أرض «جهاد» تحت شعارات مذهبية بدأت بحماية المراقد ثم تلاها تهجير أهالي قرى معروفين بإنتمائهم المذهبي بعد التنكيل بهم، واليوم يستمر المخطط من خلال التقسيمات الديموغرافية على غرار ما حصل في مدن «الزبداني» و»مضايا» و»الفوعة» و»كفريا» و»نبّل» و»الزهراء». وخير دليل على هذا التورط، ما يحصل اليوم في حلب من تجويع وتنكيل وحصار بحق أهاليها لإجبارهم على ترك منازلهم وأراضيهم لصالح المشروع أو المخطط الإيراني. ومن ضمن هذا المشروع، يبرز أيضاً تقرير للأمم المتحدة أُنجز منذ اسبوعين يؤكد نزوح ما لا يقل عن سبعين الف سوري من مدينة حلب وحدها.
وتأكيداً منه على إستمرار الثورة والحاجة اليها للخروج من «شرنقة» الدمار والقتل والتهجير التي تُحاصر الشعب السوري، دعا تجمّع «مع سوريا» منذ أيّام، المواطنين في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى حث الزعماء المحليين وقادة الدول الأوروبية والسياسيين والدبلوماسيين، من أجل توجيه أنظارهم نحو المأساة الإنسانية المستمرة في سوريا، والتي ما زالت تحتاج دعماً لإيقاف القنابل والموت والإحتلال الأجنبي من أجل مستقبل ديموقراطي. ومن جملة ما جاء في الحملة: «لأنها ثورة شعب… وثورة الحرية والكرامة ستبقى مستمرة، سنبقى ثائرين ما دمنا نتنفس.. 6 سنوات وثورتنا اقوى رغم تكاتف القوى الخارجية والميليشيات وداعش للقضاء على الثورة السورية ولم يستطيعوا، وما زال علم الثورة يصدح في ساحات ومظاهرات الحرية وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الثورة ستنتصر وسيسقط الأسد».
بعد كل هذا، لم يعد مُستغرباً من جماعة «شكراً سوريا» وعلى رأسها «حزب الله»، أن لا يخرج عنهم حتى اليوم أي إدانة للمجازر التي تُرتكب في سوريا على يد سفاحها، والأنكى من عدم الإستنكار، يكون عادة بتوجيه الحزب إتهاماته للمعارضة السورية بوقوفها وراء المجازر، في وقت تؤكد فيه تقارير دولية وإعلامية بالصوت والصورة مسؤولية حليفه عن أكثر من تسعين في المئة من المجازر التي ترتكب منذ بداية الثورة وحتّى اليوم.