محطات وقود غير شرعية مستمرة منذ الحرب اللبنانية
يلاحظ العابر على الطريق الساحلية من الشمال الى الجنوب بين محطة وقود وأخرى، محطة غيرشرعية وكلما اقتربت من العاصمة زاد العدد، ففي لبنان أكثر من 45 في المئة من محطات الوقود غير مرخصة أو منتهية الترخيص أو لا تستوفي الشروط والمعايير.
مخالفات بالجملة تجعل من المحطات “قنابل موقوتة”، قادر على إبادة محيطها في أي لحظة، خصوصًا مع غياب الرقابة والمحاسبة الجدّية.
يزداد عدد محطات الوقود بشكل غير منطقي، ولا يتناسب مع عدد السيارات والآليات الذي يقارب المليون و800 ألف، وتقول إحدى الدراسات أن هناك 434 سيارة لكل ألف لبناني بينما في انكلترا فالنسبة 426 سيارة لكل ألف بريطاني، ومع ذلك لا تشاهد في لندن ولا في محيطها محطات وقود “تفرّخ” على كل مفرق.
أما في المملكة العربية السعودية فالنسبة، في العام 2018، كانت 336 سيارة لكل ألف مواطن ما يستدعي هذا السؤال : هل القدرة الشرائية للمواطن اللبناني تفوق قدرة أخيه السعودي على اقتناء السيارات وبناء المحطات؟ يبدو أن الاستثمار في محطات الوقود مربح، أو لنقل لا يمكن أن يلحق خسارة بالمستثمر في هذا القطاع ولوحظ في الفترة الأخيرة، ميل الضباط المتقاعدين في الجيش اللبناني، الى استثمار تعويض نهاية خدمتهم في محطات الوقود.
شروط الترخيص
ينظم المرسوم الرقم 2289 الصادر في العام 1979، شروط إنشاء محطات المحروقات السائلة من الصنف الاول، والسلامة العامة، وأصول حساب المسافات بينها وبين محطات او محلات بيع وتوزيع المحروقات السائلة.
ورغم تضمنه 24 مادّة، الّا أنّ المخالفات لا تعرف لا قانوناً ولا مرسوماً. وفي التفاصيل، يطلق اسم محطة محروقات سائلة من الصنف الأول على الانشاءات التي يجري فيها تموين السيارات بالمحروقات السائلة من أماكن موجودة خارج حدود الطريق العام، بواسطة أجهزة توزيع ثابتة من خزانات منشأة تحت سطح الارض، ويسمح بانشائها في الطابق الارضي من البناء.
ويمنع إنشاء محطة من الصنف الاول، ما لم يُستحصل على رخصة انشاء من المحافظ بعد موافقة وزارة الصناعة والنفط – المديرية العامة للنفط. على الأثر، تعطى الرخصة بعد استطلاع رأي الدوائر الفنية في التنظيم المدني لجهة قانونية البناء والتراجع اللازم عن محور الطرقات وأملاك الغير (العامة والخاصة) وتطبيق الشروط الواردة في الفصل الاول، من المرسوم رقم 2289 وكذلك بعد استطلاع رأي مصلحة الصحة العامة في المحافظة لجهة قانونية تصريف المياه المبتذلة وسلامة التجهيزات الصحية.
وبعد أن ينجز صاحب الرخصة الاشغال المرخص له بها، وبعد ان تتأكد الدوائر الفنية ذات الصلاحية (دوائر التنظيم المدني، المجلس الصحي في المحافظة) من أنّ الانشاءات مطابقة للخرائط المصدق عليها ومن أنّ أحكام هذا المرسوم قد روعيت، يرخص المحافظ باستثمار الانشاءات العائدة للمحطة. امّا بقية اجزاء البناء غير المشمولة باحكام هذا المرسوم فيرخص سكنها واستعمالها من قبل الجهة صاحبة الصلاحية.
المحطات الساحلية حركة وبركة
وبشكل أكثر تبسيطاً، يشرح صاحب شبكة محطات أنّ “مدّة الحصول على رخصة إنشاء هي سنة واحدة، على أن يجهز صاحب الطلب كل المستلزمات المطلوبة في هذه الفترة، وبعد الكشف والتأكد من استفياء الشروط، يحصل صاحب المحطة على رخصة استثمار لمدّة 30 سنة، قابلة للتجديد”.
تنتشر على الأراضي اللبنانية، حوالى 3200 محطة وقود، بينها أكثر من 1500 غير مرخصة، لا سيما أنّ غالبيتها قامت في زمن الحرب من دون رخص “وما حدا بقلن وينكن”، وبعض أصحاب هذه المحطات ينتظر حلول الليل لوضع الخزانات و”الترومبات”، وفي الصباح تكون المحطة جاهزة، هذا ما أكدّه لـ”نداء الوطن” نقيب اصحاب محطات الوقود سامي براكس، وعند سؤاله لماذا لا يتم اقفال المحطات غير الشرعية، أجاب غاضباً: “مين لازم يسكرن… أنا”؟ مضيفاً: “المحطات غير المرخصة محمية سياسياً من بعض اصحاب النفوذ”. وأشار الى أنّ “العمل جارٍ مع المعنيين لتنظيم هذه الفوضى بحسب المرسوم التنظيمي 5509 الذي يحدد اصول انشاء المحطات وينظم التعاطي مع المحطات الموجودة منذ أكثر من 30 سنة، والتي يتم تجديدها تلقائياً في حال عدم المخالفة. أمّا المحطات التي أقيمت قبل 1994 فتخضع لقانون التسويات، وتلك التي أقيمت بعد ذلك، يجب أن تطابق الشروط وإلّا تُلغى”.
الموقع والهدايا …لزيادة الربح
تعتبر “الأوتوسترادات ” المواقع المفضلة لبناء محطة وقود واستثمارها نظراً لحركة لسيارات النشطة وهي بالتأكيد مشروع مربح، أما في البلدات الجبلية، حيث حركة السير محدودة، فتحتاج المحطة إلى من يستطيع جلب الزبائن وذلك يفترض تمتّع صاحب المحطة بـ “بروفايل” الرجل المحبوب من الناس وأن يكون من ذوي السمعة الجيدّة، خصوصاً أن جلّ زبائنه من أهالي “المنطقة ” واتكاله ليس على “الإجر الغريبة”، وبالتالي تعتبر محطة الضيعة بمثابة “دكانة الضيعة”. مع الاشارة الى أنّ الربح الاكبر يتمثل بتوزيع المازوت شتاء. وعدا أهمية الموقع، يلعب التسويق والترويج دوراً مهماً في جذب “الزبائن”، ويبدو ذلك واضحاً من خلال يافطات العروضات على المحطات: “مع كل غيار زيت… غسيل مجاني”، “مع كل “تفويلة” هدية ببلاش…”
هدايا فورية ( تصوير رمزي الحاج)
الّا أنّ “المرجلة” ليست بالهدايا، بل بمضاعفة عدد الزبائن اثر استعمال هذه الاستراتيجية التسويقية وزيادة الربح، والّا تكون الخطوة فاشلة والمشروع خاسراً، بحسب ما يؤكده ابراهيم الصقر لـ”نداء الوطن”، مشيراً الى أنّ “على المحطة بيع 300 تنكة أقله في اليوم الواحد، لضمان استمرارها، خصوصاً وأنّ مصروفها مرتفع جدّاً وقال: “ما تواخذينا، للبلدية مندفع 10 ملايين ليرة في السنة”.
“بحر وراح منو تنكة ” يقول المثل العامي، فبيع 300 أو 400 تنكة ليس بالأمر الصعب، بخاصة على الطرق المؤدية إلى بيروت التي يدخل إليها يوميا نصف مليون سيارة. لكن الأهم من البيع والشراء، هو عدم الخروج على الاصول والشروط الموضوعة في النصوص التنظيمية المرعية، في بناء المحطات، وإقفال كل محطة غير شرعية لا إيجاد تسويات لـ “شرعنتها” كما يحصل في مخالفات البناء.
يلاحظ العابر على الطريق الساحلية من الشمال إلى الجنوب أن بين محطة وقود وأخرى، محطة غير شرعية وكلما اقتربت من العاصمة زاد العدد، ففي لبنان أكثر من 45 في المئة من محطات الوقود غير مرخصة أو منتهية الترخيص أو لا تستوفي الشروط والمعايير. مخالفات بالجملة تجعل من المحطات “قنابل موقوتة”، قادرة على ابادة محيطها في أي لحظة، خصوصاً مع غياب الرقابة والمحاسبة الجدّية.
أحواض وزهور
تنص المادة 9 من المرسوم 2289، على أن تنشأ احواض للزهور ضمن مساحة لا تقل عن 3 في المئة من المساحة الاجمالية لكل محطة. وتفرض الفقرة الاولى من المادة 11 من المرسوم نفسه وجوب ألّا تقل المسافة بين محطة بيع محروقات سائلة من الصنف الأول وبين محطة او محل بيع وتوزيع محروقات سائلة عن 800 متر. بينما ينص حرفياً المرسوم 5509 في البند 4/4/7 على أنه «يمنع انشاء محطة محروقات سائلة على جانبي طريق الاوتوتستراد». كم جميل أن تقرأ وكم مؤسف أن ترى على الأرض عكس ما تقوله النصوص.