IMLebanon

1559… ما أصعب الرجوع إليه!

 

قضى المسؤولون والسياسيون اللبنانيون ردحاً من الزمن يخاطبون العالم بأن سلاح ميليشيا «حزب الله» هو شأن داخلي.

أكثر ما ازدهرت هذه النظرية في أعقاب صدور القرار الأممي 1559، الذي كلف لبنان الكثير، وربما كان أحد الأسباب الرئيسية وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أقول أحد الأسباب، يقيناً أن اغتيال الحريري مسألة معقدة بحجم دور الرجل ومكانته وسيرته، ولا بد أن تقاطعت أسباب كثيرة عند ضرورة شطبه من المعادلة، تبدأ بأسباب إيران المتحفزة بعد احتلال العراق 2003، وإسقاط صدام حسين، ولا تنتهي بأسباب سوريا المتهيئة للانسحاب من ذاتها ودورها ومكانتها، إذ تنسحب من لبنان!

ثلاث نقاط رئيسية تختصر مضمون القرار 1559. يطالب جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان، والمعني طبعاً جيش الأسد. ويدعو إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها، والمعني بداهة، ميليشيا «حزب الله» التي احتفظت بسلاحها بعد توقيع اتفاق الطائف بحجة المقاومة رغم تسليم بقية الميليشيات اللبنانية أسلحتها! أما النقطة الرئيسية الثالثة، فهي تأييد القرار إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة على أن تجري وفقاً لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي، في إشارة إلى عناد بشار الأسد يومها بشأن تمديد ولاية الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود!

انسحبت سوريا من لبنان في 26 أبريل (نيسان) 2005 بعد اغتيال الحريري، وبقي من بنود القرار نزع سلاح «حزب الله»، أما البند الرئاسي فقد خرج من التداول بفعل نجاح الأسد في التمديد لإميل لحود.

أذكر أن النائب وليد جنبلاط كان من بين أعلى الأصوات اللبنانية التي حاولت تحييد سلاح «حزب الله» عن مقاربة المجتمع الدولي للبنان، وربما هو مؤسس نظرية أن «السلاح شأن داخلي»، بحكم موقعه القيادي للحركة الاستقلالية آنذاك، مالئاً بنبل سياسي وشخصي كبير الفجوة التي أحدثها استشهاد الحريري في الحياة الوطنية والسياسية اللبنانية.

تحول هذا القول إلى ما يشبه الثابتة في الموقف الدبلوماسي اللبناني باعتبار أن «حزب الله» «مقاومة» وليس ميليشيا بحسب منطوق القرار الأممي 1559، وباعتبار أن قضية السلاح نبحثها فيما بيننا كلبنانيين، من دون أن يلزمنا أحد بالعمل على معالجتها!

حكم هذا المنطق علاقة لبنان بسلاح «حزب الله»، عقداً من الزمن، إلى أن بدأ نقيضه الكامل، يتسرب قبل نحو سنتين إلى متن الخطاب السياسي اللبناني، وتحول منذ التسوية الرئاسية خريف عام 2016، إلى الخطاب الرسمي البديل للبنان. منذ التسوية لم يعد سلاح «حزب الله» شأناً لبنانياً داخلياً، بل مشكلة إقليمية وربما دولية لا طاقة للبنان على حلها، ولا جدوى من مطالبة اللبنانيين بالتعامل معها، وتحميلهم وزرها الكبير الذي تنوء به دول وجيوش وأجهزة استخبارات عالمية.

طبعاً، تغيرت البيئة الإقليمية التي كان يتحرك فيها سلاح «حزب الله» بين الأمس واليوم، أي حين كان شأناً داخلياً، لا يريد لبنان من الآخرين التدخل في تقرير طبيعة الحلول لمشكلته، واليوم حين صار ملفاً إقليمياً نطالب العالم بحله لنا ولهم، ومن ثم إخطارنا بالحل بعد إنجازه، إن وجب أن نعلم!

التغيير الأبرز سيكون دخول «حزب الله» في الحرب السورية، ثم تمدده إلى أدوار في اليمن، وبينهما، أدوار لعبها الحزب في العراق والبحرين، دعك عن الأدوار السياسية، وربما الأمنية، التدخلية في البحرين والسعودية. هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن «حزب الله» لم يكن معداً أصلاً إلا لهذه الأدوار الإقليمية، أو تغذية أدوار راعيه الإقليمي، أي إيران، على حساب مصالح دول الإقليم. حتى مقاومة إسرائيل، ظلت تتحكم بها وبوتيرتها، أولوية إيران التي أساسها التوغل أكثر في المنطقة العربية، من خلال القضية الفلسطينية وموقعها في الوجدان الشعبي العربي.

بهذا المعنى الإقليمي، ألم يكن اغتيال الحريري جزءاً من طبيعة الأدوار الإقليمية التي أداها «حزب الله»، أقله بالاستناد إلى ما نعرفه حتى الآن عن نتائج التحقيقات الدولية وتوجيه المحكمة الخاصة بلبنان الاتهام لقادة وعناصر في «حزب الله»؟!

الخلاف على الطبيعة الداخلية أو الخارجية لميليشيا «حزب الله» وأدوارها، كان ولا يزال لتبرير عجزنا عن التعامل مع هذه المشكلة. فلا فعلنا شيئاً كثيراً خلال توصيفنا لها بالمشكلة الداخلية، سوى حوارات عقيمة، وتسويات تربى في كنفها وحش السلاح على لحمنا الطري، ولا نحن الآن فاعلون شيئاً ونحن نوصفها بالمشكلة الإقليمية من خلال التفاهم مع العالم على استراتيجية نهائية لنزع السلاح من الحياة الوطنية اللبنانية ومن العدوان على مصالح دول الإقليم.

العالم أعطانا فرصة جديدة من خلال إعادة وضع القرار 1559 على الطاولة. ففي حين أُحييت مرجعية القرار، عبر البيان الختامي لاجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس في 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، دعا إلى تنفيذه بيان صادر بالإجماع عن مجلس الأمن الدولي في 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وهي فرصة تستوجب أن نبحث مع العالم جدياً في الآليات التي توصل إلى معالجة سلاح «حزب الله»، وأن نعزز في الداخل سلامة البيئة السياسية الحاضنة لهذه المهمة الدقيقة المقبلة عليناً، شئنا أم أبينا.