تجنباً لـ”لعنة” العودة إلى نقطة الصفر
“لعنة العودة إلى نقطة الصفر” بعد كل حراك أو موجة احتجاج، هي اللعنة التي دفعت بالناشط السياسي بول أشقر لمحاولة جمع مختلف مجموعات الإنتفاضة ضمن المبادرة، “درابزين 17 تشرين”. لعلها تشكل أرضية مشتركة تؤمّن التقاء المجموعات التي شاركت في الحدث الذي يعتبره الأهم بتاريخ لبنان منذ 100 عام، لتتحاور وتتجاوز الحركة الاعتراضية اللعنة. إذ يعتبر أشقر في حديث إلى “نداء الوطن، أن “بين هذه المجموعات أموراً مشتركة من الضروري أن تتظهر، كذلك يلحظ ضرورة وضع قراءة لماهية المنظومة الحاكمة وكيف أخذت تعمل بعد الانتفاضة”.
تفسيرات عدة دفعت بالمبادرين لاختيار كلمة “درابزين”، والتي يبدو مستغرباً اختيارها وربطها بالانتفاضة، فقد أريد للمبادرة التي أنشئت بداية أيلول الماضي أن تشكّل شبكة أمان وخطاً دفاعياً، حيث يمنع “الدرابزين” سقوط الإنسان من مرتفع ويعيد إليه توازنه بعد الاستناد عليه.
يرى أشقر في “درابزين 17 تشرين” تجاوباً لأزمة الحركة الاعتراضية والصعوبات التي تواجهها للارتقاء إلى مستوى المعارضة. ولا يعمل المبادرون على المدى الطويل، على التغيير المفاجئ الذي ينتظره أو يتوقعه البعض. ولا يتوقع هؤلاء أن تتحول الحركة الاعتراضية إلى معارضة في القريب العاجل، بل يعتبرون أنه من الطبيعي أن يحتاج التحول لسنوات. ويشخّص الأشقر احدى مشاكل حركات الاعتراض بمرورها بصعود وهبوط، “من هنا أطلقت درابزين كمبادرة لمنع السقوط مجدداً والعودة إلى نقطة البداية”.
وفي شأن التسمية، استوحى المبادرون الاسم من قصة الملاكم الشهير محمد علي كلاي. فبعد أن تقدم الملاكم بالسن بات يستخدم حبال الحلبة الأشبه بالـ”درابزين” لاستعادة أنفاسه ومن ثم مهاجمة خصمه. وبذلك يطمح المشاركون بالمبادرة الى أن تشكل مساحة للمجموعات لاستعادة أنفاسها ومن ثم معاودة الهجوم، “فمرات كثيرة كنا نتعرّض للهجوم ولا نجد مكاناً لاستعادة أنفاسنا”.
وتجمع “درابزين” الكثير من المجموعات التي برزت منذ سنوات على الأرض، وشاركت في المحطات الاعتراضية وتقدمت المواجهات على مختلف الأصعدة: السياسية والمهنية والنقابية والحقوقية والنسوية والطالبية، وبعضها خاض معارك في الانتخابات البلدية والنيابية الأخيرة.
أربعة فضاءات أبرزتها الانتفاضة ولاحظها مطلقو “درابزين”، وهي الفضاء السياسي، حيث على المنتفضين تقبل الجميع، المحازب وغير المحازب وفضاء المناطق، إذ ترجح المجموعات بأن يكون الحل من خلال العمل في المناطق. إذ تدرك المبادرة أن الأحزاب عرفت كيف تمسك المناطق منذ الحرب الأهلية، وتعتبر أن مهمتها محاولة تخصيب ما صحّرته السلطة خلال ثلاثين عاماً. في هذا الإطار يلفت أشقر إلى خطأ بعض المعارضين الذين يريدون إما تغيير كل شيء أو لا شيء، ويعتبر أنه لا يمكن تغيير النظام فجأة من دون تغيير ما هو موجود. من هنا تحاول المبادرة تشكيل هيئات دائمة في المدن والمناطق أو الأقضية، مهمتها أن تتابع باستمرار قضايا الناس بعيداً عن الهوس بالانتخابات. لعلها تنجح بذلك في إفلات المناطق من قبضة الأحزاب.
أما الفضاء الثالث فهو الفضاء المهني والقطاعي والنقابي. لكن لا يبدو أن المبادرة، الحديثة الولادة، قد وضعت تصوّراً حول كيفية إرجاع فعالية هذا الفضاء، والذي عرف السياسيون كيف ينقضون عليه ويقضون على مكتسبات العمال. فضاء رابع اهتمت به المبادرة، وهو فضاء الأفراد باعتبارهم من سيصنع الفرق. وتسعى “درابزين” لتأمين الملتقى الديموقراطي الضروري لاستقبال كل من أعادت إليه “17 تشرين” الأمل.