كل ساعة إضافية في الحرب الإسرائيلية على غزة ستعجّل في تغيير الوضع.. في إسرائيل كما في القطاع. كأننا أمام استعادة لحرب العام 2006 في لبنان وليس فقط في الشكل والبدايات والأسباب (خطف جنود بالأمس وخطف مستوطنين اليوم) بل أيضاً في التوقعات والمآلات والختامات.
واضح بداية أن هناك عَطَباً ذهنياً في مَن يجلس على كرسي رئاسة الحكومة وكرسي رئاسة الأركان في إسرائيل. وذلك العطب يتبلور باطّراد منذ الانعطافة الميدانية التاريخية المتمثلة بالانسحاب من جنوب لبنان في أيار عام ألفين والتي ختمت (تقريباً) الانعطافة الفكرية والسياسية الأبرز في تاريخ اسرائيل المتمثلة بمفاوضات أوسلو وعودة الزعامة الفلسطينية الى الداخل وقصة الاعترافات المتبادلة.
العطب في أساسه آتٍ من تغيير مركزي في الوظيفة الاستراتيجية.. إسرائيل التي اختُصرت على مدى تاريخها بأنها «جيش عنده دولة» وليس العكس، والتي عمّرت مشروعها حرباً تلو حرب وسيطرة تلو سيطرة، انتهت عملياً وتقلّصت جغرافياً. لكن عدّتها الكاملة لا تزال كما هي. بل تتطور باطّراد وبهمّة الأميركيين التي لا تكلّ ولا تملّ: فائض القوة الكلاسيكي في عالم متغير هو مثل انعدامه أو نقصانه. الوظيفة تقلّصت تبعاً لتقلّص جغرافية المشروع التوسعي الصهيوني وتبيان استحالته.. ثم تبعاً لمواجهته جيلاً مقابلاً بديلاً من جيل الخيبات والنكبات والانكسارات، لكن «الجيش – الدولة» لا يزال قائماً!
معضلة الجنون الاسرائيلي تكمن في ذلك القصور الذهني والسياسي عن فهم التغييرات الحاصلة في عمقها عند الجانب العربي والفلسطيني تحديداً وفي العالم عموماً، والتمترس في الماضي.. الجيل العربي والفلسطيني الحاكم يتغيّر لكن الجيل الاسرائيلي المقابل يتجذّر ويترسّخ عدّة قديمة في عالم جديد. والنتيجة الحتمية صفر تام: لا قدرة على تكرار الفتوحات اللصوصية للأوائل، ولا معرفة في كيفية الخروج من أسر سيرتهم التي لم تعد صالحة لعالم اليوم. ولفلسطينيي اليوم ولعرب اليوم، ولمقاومي اليوم. ولا قدرة فوق ذلك كله بعد الآن على ارتكاب الجريمة في العتمة ولا على الاستخفاف بقدرة الضحية على الرد.
انتهت حرب تموز 2006 بتغيير الوضع الميداني في جنوب لبنان لمصلحة ديمومة التهدئة وزيادة الحضور الدولي والرسمي اللبناني. وكان القرار 1701 حصيلة فشلين: فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها القصوى. وفشل «حزب الله» في إبقاء بعض الجنوب ساحة ربط نزاع وتفاوض ايراني سوري اسرائيلي.
الآن في غزة تبدو الاحتمالات متقاربة إلى حدود بعيدة: وقف النار سيعني رفع الحصار المضروب منذ العام 2007. لكن ذلك بدوره سيعني وجوداً غير فلسطيني على المعابر.. وربما على طول الحدود مع إسرائيل. وسيكون هناك قرار شبيه، بالقرار 1701. وسيكون أيضاً نتيجة فشلين. الأول فشل اسرائيل في انهاء «حماس» وسلاحها وإبقاء الحصار ورفض المصالحة الوطنية. وفشل «حماس» في تأبيد سيطرتها بالقوة على القطاع والدفع باتجاه استخدامه في أجندات بعيدة عن مصالح الفلسطينيين..
وفي الحالتين، اللبنانية أولاً والفلسطينية ثانياً، كان التغيير في اسرائيل (وسيكون) تتمة منطقية للفشل العام في مقاربة التغييرات الحاصلة.