ليس أدل الى سقوط مشروع الحزب الممانع، من تظلله صورة نوح زعيتر، بعد عماد مغنية، ولا ينافس ذلك، سوى الظهور التلفزيوني المتكرر لأمينه العام، بمناسبات معظمها مبتدع، لشد العصب الأهلي، الذي يترهل.
هذه الحال اجبرت الأمين العام على استنباش “لغة” استخدمها بعد حرب تموز 2006، تمهيداً لغزوة بيروت في 7 أيار 2008. يومها لجأ الى قاموس بن لادن، واعتمد منطق الفسطاطين، ليحتكر الشرف لجماعته، ويرمي العمالة على خصومه. وهو في كل خطبه يراهن على ضعف ذاكرة الناس، فيخلط الامور بعضها مع بعض، ويصادر، أو يتوهم، مصادرة ذكائهم، ووعيهم، فيتحدث بثقة مفرطة في النفس، الى حد نقض قول سابق، من دون ان يرف له جفن. من ذلك، اعترافه بأن قرار القتال في سوريا اتخذ في آذار 2011، اي يوم كانت الثورة تحبو على أصوات السوريين المنادية بـ”السلمية” والحريصة على تجنب الصدام والسلاح، ويوم لم يكن هناك من خطر “مزعوم” على ضريح “السيدة زينب”، ولم تكن “داعش” ولدت، ولا سُمع باسمها.
اليوم، يقف مشروع الممانعة عند أبواب عرسال، لكأن مصيره مرهون بها، وبشكل أدق بصدام بين رؤيتين في طهران: واحدة تقول بإيران أولاً، وأخرى تقول بسوريا أولاً. الاولى ترى في صفقة النووي فرصة لاندماج ايران في النظام الرأسمالي الغربي، والتحالف مع تركيا، والتفاهم مع السعودية، والثانية تجد في حسم الحرب في سوريا قوة لإيران ومفتاحاً لحسم الصراعات في الداخل، وفي الإقليم، ومع العالم. الأولى ترحب بترك النظام يتهاوى، والثانية تتمسك به الى يوم القيامة.
لكن الراغبين في الحسم، يعرفون أن الوضع الميداني في سوريا لا يميل الى كفة النظام، وان مشروع دويلة علوية يلوح في أفق تحليلاتهم، وان الكلام على ربط دمشق بها يجعل عرسال وجرودها في المرمى، ولا يفعل الحزب المقاوم سوى وضعها على نار باردة الى ان يحسم النقاش في طهران.
في انتظار “الفرصة”، يشن الحزب حرباً اعلامية تمهيدية، من نوع اتهام “تيار المستقبل” بدعم التكفيريين، أو يصوره في حال تفكك بين معتدلين ومتشددين، ويشكك في جدية دور الجيش في عرسال، أو “يعلن” وجود أبو مالك التلي في داخل البلدة. أي عملياً يستعيد “الاعلام المقاوم” ايقاعات عزفها في السابق، حين كان يعمل لتأجيج النيران في حريق طرابلس.
نجح “تيار المستقبل” وأهل العاصمة الثانية في وأد الفتنة بمناصرتهم الجيش، لكن عرسال تحتاج الى أكثر من ذلك: تحتاج الى الجيش مستعيناً بما يسمح به القرار الأممي 1701 الذي يوفر دعماً عسكرياً دولياً والذي أيده “حزب الله” في الجنوب، وأثبت جدواه منذ 2006، خصوصاً اذا كان الحزب يريد أن يستعيد لبنانيته ووطنيته، ويتخلى عن أوهامه الإقليمية.