عَشْرتان يا أبا بهاء مرّتا، واحدةٌ لك ولنا والثانية علينا… ولم يتغيّر شيء إلا في الاتجاه الذي كنتَ تخشاه.
سألوكَ لماذا مطار كبير يستوعب ملايين الزوار والمغادرين؟ فأجبتَ السائلين بأن البلد سيتغيّر نحو الأفضل بعد عشر سنوات «ويمكن كون عايش يمكن كون عند ربّ العالمين، بسّ صدقوني حيجي يوم تحسّو انو المطار هيدا ما رح يكفي».
سألوكَ لماذا قصر مؤتمرات ودار اوبرا ومعارض وفنادق فاخرة بينها؟ فأجبتَ بأن الاستقرار يُدخِل لبنان مرحلة جديدة كفيلة بتحويله نقطة التقاء بين شرقٍ وغرب وقبلة أنظار العالم ويفتح سوق العمل لعشرات آلاف اللبنانيين وغيرهم… «عطونا عشر سنين بس وشوفو الشغل».
سألوكَ لماذا الطرق والكهرباء والجسور وأنتَ تعرف ان الحاكم والضاربين بسيفه لا يريدون ان تتطوّر الأمور نحو الأفضل وأن كل ما صُرف عملياً سيتبخّر مع هذه الإرادة؟ فأجبتَ بأن ذلك غير صحيح رغم علمك أنه صحيح وأن مقاربة القصر السوري للوضع اللبناني لن تتغيّر لا بعد عشر سنوات ولا خمسين سنة.
سألوكَ لماذا تصرّ على عبور الطوائف في كل خطوة، من التعليم الى التعيين في بلدٍ لا يراد له إلا أن يكبر على صورة مجموعات طائفية متناحرة تستقوي بالقصر السوري؟ فأجبتَ بأن التعليم والتنمية المناطقية المتوازنة وإعادة الأمور الحياتية الى واجهة القضايا كفيلة خلال عشر سنوات بفرز جيل جديد ينبذ الطائفية ويتفرّغ لبناء مستقبل مختلف.
سألوك عن الأسواق التجارية والأولوية التي أعطيت لها، فأجبتَ بأنها مثل القلب النابض يضخّ دماً في عموم الجسم «وحتشوفوا كيف كل المناطق اللي جنب سوليدير حتتغير وكل وحدة الها طابعها والمناطق اللي وراها كمان… عشر سنين بس، وكل منطقة بيصير إلها سوليديرها».
سألوكَ عن التسويات والصفقات والمسايرات الداخلية والخارجية، فأجبتَ بأن تحصين البلد بعد زلزال احتلال العراق أولوية وأن منْع إلحاقه بالحلف الحديدي الذي كوّنه «الذكاء» الاميركي يفترض درجة عالية من المناورة والمرونة… «مرحلة ممكن تاخدلها عشر سنين عالقليلي، خلّونا نمرّقها والبلد متماسك».
سألوكَ عن العلاقات مع الدول التي تحتضن جاليات لبنانية وكيف أنك قطعتَ زيارة الى دولة أوروبية وزرتَ القذافي ليلاً إثر تهديده بترحيل 300 لبناني جنوبي يعملون في ليبيا رداً على ما اعتبره إساءةً إليه من ميليشيا لبنانية شيعية، فأجبتَ بأن الاغتراب اللبناني جزء من الأمن القومي للبلد «ومهما تنازلنا المهمّ يبقوا ويشتغلوا ويشغلوا اهلهم بلبنان، وليش يدفعوا ثمن مواقف سياسيين وتخترب بيوتهم؟ لو كل لبناني برا علّم واحد بس، بيصير عنا كل عشر سنين آلاف الأطباء والمهندسين والدكاترة والمهنيين والأساتذة».
سألوكَ عن الصِدام الدائم مع النواب لتغيير القوانين في اتجاه تحويل لبنان مركزاً متفرداً في جذب الاستثمارات والرساميل ورؤوس الأموال، فأجبتَ بأن النفط اذا ارتفع خلال السنوات العشر المقبلة وأرسلت دول الخليج دولارين فقط من كل برميل الى لبنان كمثال رمزي على وجهة الاستثمار الآمن والمربح، فستنتعش الدورة الاقتصادية بطريقة ماسية وليست ذهبية فحسب.
وكأنهم كانوا يقرأون في كتابك يا أبا بهاء. لك سنواتك العشر ولهم سنواتهم العشر. نعود الى ما سبق كلمة كلمة، المطار لم يعد مدخلاً الى لبناننا بل إلى محورهم، وطريق المطار خطّهم الأمامي… والإمامي.
التنمية الاقتصادية وبرامج التعليم والمذوّبات المذهبية كلّها لا لزوم لها، فسوق العمل موجودة ومؤمّنة من خلال المال النظيف ومعسكرات التدريب. يريدون لزهوة الشباب ان يتقاضوا رواتب للسقوط في ساحات سورية والعراق، تارةً لمساعدة حاكم سورية في إنهاء ثورة المقاومين المحرومين من الحريات والعدل والمساواة، وطوراً لمساعدة «حاكم» حاكم سورية في رسْم حدود الإمارات الطائفية والمذهبيّة.
وسط بيروت يا أبا بهاء أصيب بجلطة من خلال احتلال السنوات الثلاث بينما كان سعر النفط في أعلى مستوياته، وبيروت نفسها أصيبت بالكوما السياسية بغزوة اليوم المجيد في السابع من ايار/ مايو وما تلاها من غزوات على الحكومة والحكم.
كل شيء يفيد في تحسين البلد ممنوع، وكل شيء يسيء الى الوجود الاغترابي اللبناني مسموح، أما المركز المالي للبنان فشوّهته عمليات غسيل الأموال والارهاب، وبات عبور الطوائف في اتجاه المواطَنة وهْماً بعدما صارت إيران على شواطئنا.
باختصار… عشر سنوات على رحيلك أخرجتنا من منظومة «هيْدي مدرستك» الى منظومة أخرى. منظومة السقوط في الخرائط الجديدة التي نجحوا خلال عشر سنوات في رسْمها بعدما عجزت إسرائيل عن ذلك. منظومة الإمارات الطائفية المدارة بـ «ريموت كونترول» مركزي من مكانٍ واحد. لبنانك الكبير صار ولاية صغيرة من ولايات «الحرس»، وحلمك الكبير أحرقه، وأحرقنا، كابوس تغييبك.
عشر سنوات على استشهادك يا أبا بهاء ولم يتغير شيء إلا في الاتجاه الذي كنتَ تخشاه… «هيْدي مدرستهم».