IMLebanon

2000 – 2005 – 2009 : كل استحقاق كان مصحوباً بـ “مفاجأته” معه

 

بانطلاقة العملية الإنتخابية من المغتربات، وعلى مسافة أيّام قليلة من إستحقاقها في الداخل اللبناني، يتبلور بشكل أو بآخر السؤال: هل يمكن للناخبين أن يصنعوا المفاجآت حيثما قلّت في المرشّحين المفاجآت؟

 

أقلّه من انتخابات 2000 إلى 2009، لم يمرّ استحقاق إلا مصحوباً بـ”مفاجأته” التي هي “نكهته” معه.

 

انتخابات 2000. كان ثمة بالطبع استشعار فيها بأن اللوائح المدعومة من الرئاستين السورية واللبنانية في ذلك الوقت ليست في وضع مريح شعبياً، رغم قانون الإنتخاب الذي صمّم خصيصاً لمواجهة حركة الإعتراض بقيادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ذلك الإستحقاق. وكانت انتخابات 2000 هي أكثر انتخابات استخدم فيها الخطاب الإنتخابي “ضد الطبقة السياسية”. إنما بشكل مختلف عما هي الحال عليه في السنوات الماضية في مناخ ما يُعرف بـ “المجتمع المدني”. إذ كان الخطاب المناهض للطبقة السياسية هو خطاب قسم إميل لحود لحظة تبوُّئه الرئاسة، وخطاب الحكومة، وخطاب التلفزيون الرسمي، وخطاب النظام الأمني المشترك اللبناني ـ السوري. المفاجأة لم تكن فقط بنتائج هذه الإنتخابات المباشرة، بل أيضاً بما ظهر خلال موسمها، وظهر أكثر في إثرها: التلاقي بين الحالة السيادية المسيحية المناهضة لما تعتبره “احتلالاً سورياً”، وكان القسم الأكبر من هذه الحالة لا يزال رافضاً لإتفاق الطائف، وبين الحالة الإعتراضية من داخل النظام القائم بعد الطائف التي اصطدمت منذ 1995، وخصوصاً منذ رئاسة إميل لحود عام 1998، بما جرت تسميته شيئاً فشيئاً “النظام الأمني اللبناني ـ السوري المشترك” أو “نظام الوصاية”. أسس نداء مجلس المطارنة الموارنة، وقيام لقاء قرنة شهوان المناخ المؤاتي لهذا التلاقي بين هاتين الحالتين، في الوقت نفسه الذي أسست فيه تجربة “التعايش” الصعب والمرير بين اتجاهين مختلفين تماماً في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لنمط مرهق جداً من الحياة السياسية، ما عاد يحتمل بعد قرار الرئيس السوري التمديد لإميل لحود في صيف 2004، بما دشنه ذلك من أزمة التمديد القسري، والقرار 1559، ونشأة لقاء البريستول كذروة للتلاقي بين المناخ “الأنتي احتلال سوري” والمناخ “الأنتي نظام أمني لبناني ـ سوري مشترك”، وانطلاقة الحرب السرية الإرهابية الإستهدافية لهذا التلاقي، بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، ومن بعدها اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وانطلاقة “انتفاضة الإستقلال” كرد على الإغتيال، كان ردّاً “عابراً للطوائف” لأكثر مرة في تاريخ لبنان، ما تجسّد بعد أسابيع بعامية 14 آذار 2005، التي وسّع نطاقها أيضاً الكلام الذي قيل في 8 آذار.

 

المفاجأة في انتخابات 2005 جاءت في خط معاكس. هي أولاً مفاجأة التحالفات التي لم تشبه أبداً روحية يوم 14 آذار، لكنها كانت في نفس الوقت تعبّر عن حدود هذا اليوم، حدود “نصف انقلاب” الذي لم يكن أساساً من الممكن تحويله الى “انقلاب كامل”. أما المفاجأة الكبرى في تلك الإنتخابات فكان اسمها ميشال عون. بدلاً من التفاهم بين كل الذين شاركوا في عامية 14 آذار على خوض الإنتخابات معاً، فشلت المساعي التي كانت تبتغي هذا، ونجحت بدلاً منها مساعي “التحالف الرباعي” (المستقبل، الإشتراكي، أمل، حزب الله، وخماسي مع القوات) من ناحية، وتحالف العماد عون العائد من المنفى الفرنسي، مع شخصيات موالية لخط النظام السوري. اكتسحت اللوائح المدعومة من عون في المناطق المسيحية. ومع أن عون خاض الإنتخابات يومها ضد حلف يشارك فيه “حزب الله”، فقد أمن الإنشطار بين “فريقي 14 آذار” في تلك الإنتخابات المسار الذي سيفضي إلى تفاهم مار مخايل وما تلاه.

 

انتخابات 2009 حملت معها أيضاً مفاجأة، بل مفاجأتين. الأولى، أنّ اللوائح المدعومة من 14 آذار استطاعت أن تفوز بالأكثرية المطلقة من عدد المقاعد بعد سنة من عملية 7 أيار، في حين كان “حزب الله” يتعامل مع نجاحه على أنه “حتمي” في تلك الإنتخابات، ولم يعد فقط يتحدث عن “اعادة تشكيل السلطة” بعدها، بل يطمئن المهزومين بأنه سيكون “كريماً” معهم. حصل العكس، فازت 14 آذار، لكنها لم تحتفل بالفوز. اعترف “حزب الله” بالنتيجة، لكنه اعتبرها لا تمثل الأحجام الشعبية. فتحت معركة القانون الإنتخابي القادر على ايفاء هذه الإحجام حقها التمثيلي بشكل أفضل نوعياً. أما 14 آذار “الأكثرية البرلمانية” فدخلت أزمة تصدّعها في اليوم التالي للإنتخابات، وأخذت هذه الأزمة تتفاقم إلى أن “اكتشفنا” عام 2013، ان هذا اللفيف الذي خاض أعتى فترات المواجهة السياسية، مواجهة الحرب السرية ضد رجالاته حتى أواخر 2013، ليس قادراً على “التكتيك الموحد” في مسألة القانون الإنتخابي.

 

التعامل مع الإستحقاق الذي بدأ على أنه سيكون خالياً من المفاجآت هو على الأغلب في غير محلّه. حتى لو لم يكن لبنان ديموقراطية برلمانية فعلياً، بمعنى أن الإنتخابات النيابية تفرز فيه أكثرية تحكم وأقلية تعارض، فإن كل انتخابات، مهما كان القانون الذي تخاض على أساسه، سيكون مناسبة لإظهار “توجه شعبي” صانع للنكهة في عدد لا يستهان به من الدوائر. هذا ما حصل في انتخابات 2000 و2005 و2009. في هذه الحالات الثلاث، كان هذا التوجه الشعبي الصانع للنكهة في الإستحقاق مغايراً لمناخات تريد “حسم” الإنتخابات قبل التوجه إلى الصناديق، وتستنسب في القانون الإنتخابي، لتجعل المعركة “أصعب” على فريق من فريق آخر، وهذا حاصل أيضاً اليوم، وبشكل أوضح من أي وقت مضى.