خرق “حزب الله” الخط الازرق في تموز 2006 وخطف جنديين إسرائيليين ما تسبب بعمليات كرّ وفرّ بينه وبين الجيش الإسرائيلي. فكان أن فتحت إسرائيل نيرانها على لبنان من دون رحمة، متسببة باستشهاد المئات وجرح الآلاف وتدمير القرى والبلدات والبنى التحتية.
استفرد “حزب الله” عام 2006 كما اليوم، بقرار الحرب، ضارباً بعرض الحائط الدولة اللبنانية ومستهتراً بمصير اللبنانيين. ووضع لبنان في موقع المعتدي، لأنه في الحالتين (2006 و2023) هو من بدأ الحرب على إسرائيل.
ماذا يختلف مشهد عام 2006 عن اليوم؟
أولاً، عندما خطف”حزب الله” الجنود الإسرائيليين عام 2006، سارع رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة إلى إصدار بيان أعلن فيه أن حكومته لم تكن على علم بخطوات “حزب الله”، ولا تتحمل المسؤولية عما جرى، ولا تؤيد ما حدث على الحدود الدولية”. وحث البيان الأمم المتحدة على اتخاذ قرار فوري بشأن وقف إطلاق النار ورفع الحصار البحري والجوي الإسرائيلي. لكن اليوم ومع بداية “جبهة الإسناد” من لبنان التي فتحها “الحزب” في 8 تشرين الاول 2023، لم نسمع أي استنكار من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. لا بل اعتبر نفسه غير معنيّ عندما قال إن قرار الحرب والسلم ليس بيده. وبالتالي بدا موقف الدولة اللبنانية ضعيفاً وعاجزاً.
ثانياً، سارعت الحكومة اللبنانية عام 2006 إلى البدء باتصالاتها العربية والدولية، رافضة الحرب ومطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، كما التفّت الدول العربية حول لبنان وسعت باتجاه حل سريع وتعهدت إعادة إعمار لبنان، وتوجه وزير الخارجية بالوكالة طارق متري إلى نيويورك لمتابعة اجتماعات مجلس الامن لإصدار قرار يوقف الأعمال القتالية في لبنان. أما اليوم، فيتفرد الرئيس نبيه بري بالمفاوضات بطريقة سرية وغير شرعية أو دستورية، ناهيك عن أن الحل المقدم اليوم هو مقترح أميركي، ولم نشهد أي مسعى أو مبعوث أممي حتى الساعة. كما وأن الدور العربي خجول بسبب علاقة لبنان المتوترة بالدول العربية نتيجة سياسات “حزب الله” في المنطقة.
ثالثاً، كانت الإدارة الأميركية عام 2006 جمهورية برئاسة جورج بوش الذي سعى سابقاً إلى إصدار القرار 1559، والذي أبدى دعماً واضحاً لإسرائيل، حتى أن الوزير متري يخبر ما دار في كواليس اللقاءات، عن رفض الأميركيين لأي اتفاق وقف إطلاق نار سريع لأنه سيكون هشاً، وأصروا على تأمين شروط ديمومته من خلال إعطاء العمليات العسكرية الإسرائيلية بعض الوقت للقضاء على “حزب الله”. ويضيف متري أن الجانب الأميركي حينها كان يريد تشكيل قوة دولية لها “أسنان ومخالب”، على حدّ قوله في إحدى المقابلات، وأن يكون عمل هذه القوة، أكثر من قوات مراقبة بل قوات حفظ سلام، وخلص متري إلى القول: “كانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تستخدم كلمة robust أي عضلات، في معرض وصفها للقوة الدولية المقترحة”. وهذا ما يفسر اليوم التعنت الإسرائيلي حول آليات تطبيق أي اتفاق لوقف إطلاق النار، والإصرار على الاحتفاظ بحق التدخل عند حصول أي انتهاك.
واقع الحرب والتدمير والشهداء والنزوح واحد بين 2006 و2024 اليوم، لكن المشهد اليوم تغيب عنه دولة قوية، ورئيس جمهورية، وحضن عربي، ويغيب عنه الالتفاف الداخلي حول المقاومة، ونشهد اجتياحاً إسرائيلياً للقرى الجنوبية بعدما اعتقدنا أن العدو لن يقوَى علينا طالما أن المقاومة موجودة…