مع ان مرسوم العقد الاستثنائي لمجلس النواب بدأ، ويستمر الى موعد العقد العادي الاول، وحدد مناقشة مشاريع قوانين الانتخاب في أدراج البرلمان، الا ان من غير الضروري حتى آذار المقبل توقع اقرار قانون جديد للانتخاب
لا تكمن اهمية صدور مرسوم عقد استثنائي سوى في فتح ابواب المجلس لالتئام جلسات اشتراعية انقطع مجلس النواب عنها مدة طويلة. منذ مدّد ولايته للمرة الاولى في الجلسة التي عقدها في 31 ايار 2013 الى اليوم، بالكاد اجتمعت الهيئة العامة في ثلاث سنوات في اربع جلسات: الاول من نيسان 2014 و9 منه، 12 تشرين الثاني 2015، 19 تشرين الثاني 2016.
معظم ايام التعطيل استغرقها الشغور الرئاسي طوال سنتين ونصف سنة. تالياً يأتي توقيت العقد الاستثنائي ــــ وهو في اي حال الاول منذ ايار 2014 قبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ــــ لاعادة الروح الى ساحة النجمة.
اما قانون الانتخاب، فشأن آخر تماماً.
تبعاً لما يقوله رئيس المجلس نبيه بري، لن يطرح اياً من الصيغ المقترحة على الهيئة العامة ما لم يسبقها توافق سياسي خارج المجلس تكرّسه التفاهمات الجانبية، ينتقل من ثمّ الى داخل المجلس كي يصير الى اقراره. مستخلصاً تجربة اعمال اللجان النيابية المشتركة فالفرعية فالمصغرة منذ عام 2012، سنة قبل موعد انتهاء ولاية برلمان 2009، افضت عشرات الاجتماعات الى النتيجة الصفر، بسبب اصرار كل فريق ليس على التمسك باقتراحه لقانون الانتخاب، بل ايضاً رفض اقتراح الآخر. ادى ذلك الى تراكم كمّ من الاقتراحات عجزت اللجان عن الاتفاق على اي منها، فتسببت بتمديد اول عام 2013، ثم بتمديد ثان في السنة التالية. مذ ذاك لم يتزحزح اي منهم عن موقفه، متمسكاً بوجهة نظر مسبقة، هي امرار القانون الذي يوفر له كتلة نيابية وازنة.
العقد الاستثنائي لتنشيط مجلس النواب لا قانون الانتخاب
بذلك تأكد ان مجلس النواب ليس المشغّل الصالح لانجاز قانون انتخاب ما لم يصر الى الاتفاق على معاييره الرئيسية في الخارج. وهو ما عناه رئيس المجلس اخيراً، وخصوصاً بعد نيل الحكومة الثقة، بقوله انه لن يدعو اللجان المشتركة حتى الى مناقشة مشاريع قوانين الانتخاب واقتراحاتها.
على ان ما توخاه اعادة الصيغ الـ17 كلها الى ادراج المجلس وصرف النظر عنها نهائياً. بذلك قطع الطريق على المناداة المزمنة بطرح الاقتراحات على التصويت في الهيئة العامة، فتقرّ الصيغة التي تحوز الغالبية. رمى بري بموقفه هذا ايضاً الى فكرة رئيسية من شأنها ان تمثّل العامود الفقري لأي قانون انتخاب جديد، هي ان اقرار القانون هذا لن يخضع لأكثرية وأقلية في المجلس، كما لو ان فريقاً يرجّح اقتراحه على فريق آخر ويلي ذراعه فيه. بيد ان مغزاه كذلك تجنيب الهيئة العامة اشتباكاً سياسياً داخلها، بينما العقدة تكمن في طربوش الاقطاب. كل ذلك بات يحمله على اشاعة مسحة تشاؤم حيال ما ينتظر القانون الجديد للانتخاب وتعذّر التوافق، حتى الآن على الاقل، على الصيغ الثلاث الاكثر تداولاً، الا انها المرشحة لأن تذهب بدورها الى ادراج المجلس وتغفو فيها: صيغتا المختلط التي اقترحها رئيس المجلس (مناصفة المقاعد بين التصويتين النسبي والاكثري) وائتلاف تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية (68 مقعداً وفق تصويت اكثري في مقابل 60 مقعداً وفق تصويت نسبي)، والصيغة التي التقى عليها التيار الوطني الحر وحركة امل (تأهيل على القضاء والانتخاب في المحافظة نسبياً).
على ان تعذّر التوافق على قانون جديد ـ وهي استحالة لا تزال مستمرة منذ عام 2012 ـ لا يفضي بالضرورة الى تعريض الانتخابات النيابية في موعدها لخطر تعطيلها، ما دام قانون 2008 لا يزال نافذاً. بالتالي لا تعود المشكلة في القانون الذي تجرى على اساسه الانتخابات، بل هل يريد الافرقاء فعلاً اجراءها في موعدها المقرر بعد اقل من ستة اشهر؟
في المواقف المعلنة، لا احد يقول انه لا يريد اجراء الانتخابات النيابية. وليس بين الافرقاء مَن يبشّر بالتمديد على غرار تجربتي عامي 2013 و2014. وبالحري ان تتهاوى حجج كتلك في مطلع عهد رئاسي جديد وحكومة يجتمع فيها الافرقاء جميعاً. لم تكن الحال كذلك في الانتخابات التي كانت مقررة عام 2013 وحيل دونها بتمديد الولاية ابان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي عُدّت حكومة قوى 8 آذار. ذريعة بمبررات مغايرة للتمديد قيلت على ابواب انتخابات 2014 لتعطيلها هي عدم وجود رئيس للجمهورية رغم ان حكومة الرئيس تمام سلام جمعت الافرقاء جميعاً تقريباً حينذاك، على نحو ما هي عليه حكومة الرئيس سعد الحريري التي ناطت بنفسها مهمة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها يسبقها وضع قانون جديد للانتخاب.
وبمقدار ما يسع حكومة الحريري، في وقت من الاوقات، الإقرار بإخفاقها في حمل الافرقاء على التفاهم على قانون جديد للإنتخاب في مجلس الوزراء كما في مجلس النواب، بيد انه لا يسعها التخلص من المواعيد القانونية الملزمة لإجراء دورات الإقتراع في حزيران المقبل حداً اقصى، قبل الوصول الى الساعة الصفر منتصف ليل 19 حزيران. وهو ما يسعه رئيس الجمهورية ميشال عون ايضاً تبعاً لنطاق صلاحياته الدستورية التي لا تمكنه من فرض قانون انتخاب على اي فريق ولا على مجلس النواب، هو الذي لا يملك ــــ شأن رئيس حكومته ــــ الغالبية المطلقة في البرلمان كي يلزم المعاندين صيغة ما لقانون الإنتخاب. ما يجعل الجميع حكماً وجهاً لوجه امام قانون 2008، دون سواه، اذ يتوخون اجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
واقع الامر، خلافاً للكمّ الذي لا يحصى من الاعتراضات على قانون الانتخاب المنبثق من اتفاق الدوحة، وشارك في وضعه الافرقاء الجالسون الى طاولة التسوية تلك فرداً فرداً، فإن المضي فيه في انتخابات 2017 لا يلقي على اي منهم اثقالاً سياسية لا قِبَلَ له على تحمّلها: ليس قانون 2008 مأزقاً لحزب الله وحركة امل في البقاع والجنوب، ولا هو مأزق للنائب وليد جنبلاط في جبل لبنان الجنوبي، ولا كذلك مأزق تيار المستقبل في نصف دوائر بيروت على الاقل وفي طرابلس وعكار والضنية والبقاع الغربي وصيدا، ولا هو بالتأكيد مأزق للثنائية المسيحية الجديدة (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) المدعوة هذه المرة الى تقاسم مقاعد المتن وكسروان وجبيل وجزين والكورة والبترون وزحلة في ما بينها.