يتجه مجلس النواب غدا الى تمديد ولايته وهو معلق على موقف مسيحي وازن يغطي هذا القرار، في وقت يتسابق الافرقاء المسيحيون على اعلان رفضهم تمديد الولاية، دونما ان يكون في وسعهم الذهاب الى انتخابات نيابية جديدة
يستعيد وزير ماروني سابق لا يزال في قلب الحياة السياسية حوارا له مع كمال جنبلاط يعود الى السنة الاولى من الحرب الاهلية.
قال الزعيم الراحل: قيمتي في لبنان انني لم اعد استطيع تقبلها كوزير اقليات. انا كمال جنبلاط عضو دائم في الامم الاشتراكية، وقائد المد العروبي في العالم العربي، ورئيس الحركة الوطنية في لبنان، ورئيس الجبهة المساندة للثورة الفلسطينية، وحامل وسام لينين، وحاكم مسلمي لبنان رغم انوفهم، لا اقبل بأن تكون قيمتي في لبنان وزير اقليات.
لنحكِ في التاريخ. امارة الجبل درزية. اتى اجدادكم من جنوب سوريا وشمال لبنان. كدّوا وتعبوا وتعلّموا. بدأوا شركاء وصاروا مرابعين في الملكية العقارية. لكن كيف اخذوا موقعهم؟ عرفوا كيف يلعبون على تناقضاتنا القيسية ـ اليمنية والجنبلاطية ـ اليزبكية في ما بعد، فصار كل منا يريد كسب ودّهم واعطاءهم من اجل نفسه. الآن عوقبتم من حيث اخطأتم، فوقعتم في شرك السنّة الذين لعبوا على تناقضاتكم اولا بين كتلة دستورية وكتلة وطنية، ثم بين كميل شمعون وفؤاد شهاب، فأعطيتموهم ـ كما فعلنا نحن من قبل ـ جزءاً مما هم فيه. هذا قدركم بعد قدرنا. لقد عوقبتم من حيث ارتكبتم الخطيئة.
انقضى على كلام كمال جنبلاط قرابة اربعة عقود. وهو يصح ايضاً لو قاله نجله وليد جنبلاط اليوم اذ يبصر الزعماء الموارنة في واقع ما هم عليه: نصفهم في قوى 8 آذار والنصف الآخر في قوى 14 آذار. حُمّلوا مسؤولية الشغور في رئاسة الجمهورية ــ وإن لم يكونوا وحدهم كذلك ــ ويُراد تحميلهم مسؤولية فراغ محتمل في مجلس النواب ما لم يؤيدوا تمديد الولاية.
بذلك تبدو المشكلة، في الظاهر على الاقل، مسيحية وأصحابها مسيحيون. وهي كلفة الدخول طرفا في التناقضات السنّية ـــ الشيعية في الداخل، ومحاولة اللعب على حبالها، وايقاع رئاسة الجمهورية في شركها.
لا يعدو الخلاف بين الافرقاء المسيحيين على تمديد ولاية المجلس سوى صورة مكمّلة لنزاعهم على الاستحقاق الرئاسي، ويتصرّف كل منهم على انه قادر على استدراج حليفه السنّي والشيعي الى خياراته هو. في وقت لا يجد الحليفان السنّي والشيعي أوان انتخاب الرئيس قد حان وكذلك مواصفاته، ولا يستعجلان انتخابات نيابية جديدة غير مستعدين لها، ولا يريدانها ـــ كانتخاب الرئيس ـــ الا ثمرة تسوية اقليمية تعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة، ومن خلالها في لبنان، سواء على طريقة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 بتغليب فريق على آخر، أو على طريقة اتفاق الدوحة عام 2008 بإرغامهما على تسوية موقتة لمرحلة انتقالية. وهو مغزى ان حزب الله يفضّل ان لا يضغط على الرئيس ميشال عون لحمله على التراجع عن ترشيحه ما دام يعرف انه لا يستطيع ايصاله الى المنصب، وان الرئيس سعد الحريري لا يظهر اهتماماً بتجاوز ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وهو يعرف ان من المستحيل انتخابه في هذا الاستحقاق في احسن الاحوال.
هكذا تُركت ادارة الاستحقاق الرئاسي بين يدي الزعيمين المارونيين، من دون ان يكون في وسع اي منهما حسم القرار فيه. على ان الثمن المقابل لاطالة الشغور الرئاسي الى امد غير منظور، تكريس الشرعية الدستورية من خلال حكومة الرئيس تمام سلام واستمرار مجلس النواب الى حين اجراء انتخابات جديدة.
عنى ذلك ان الفريق السنّي ـــ الشيعي وضع بين يديه هو فقط قرار تمديد ولاية البرلمان لتفادي الفراغ. وهو ما تفصح عنه بضع ملاحظات:
اولاها، ان ما يزيد على الاكثرية المطلقة للاقتراع على اقتراح التمديد متوافر بين كتل القوى الرئيسية الاربع، الرئيس نبيه بري والحريري وجنبلاط وحزب الله، وفي حوزتهم ثلث النواب المسيحيين. وهو رقم لا يقلل ميثاقية التصويت ولا يعرّض القانون بالضرورة للطعن، وان فتح ابوابا عريضة على الجدل الداخلي. مع ذلك سيحضر النائب سليمان فرنجيه وكتلته ـــ وهو في صلب تكتل التغيير والاصلاح ـــ وكذلك كتلة القوات اللبنانية اذ تتنكب رد التحية الى الحريري على وقوفه الى جانب ترشح جعجع للرئاسة. بذلك تمسي جلسة الاربعاء صورة طبق الاصل عن جلسة 31 ايار 2013 وكانت في حضور 97 نائبا: يُمدّد مَن مدّد، ويُعارض مَن عارض.
ثانيها، باستثناء فرنجيه في دائرة قضاء زغرتا، فإن كلا من الزعماء الموارنة الثلاثة الآخرين، الرئيس امين الجميّل وعون وجعجع، مدين بمعظم نواب كتلته لحليفه السنّي او الشيعي او الدرزي. تلك حال الجميّل مع مقاعد طرابلس وعاليه وبيروت الاولى وزحلة، وعون مع مقاعد جبيل وبعبدا وجزين، وجعجع مع مقاعد زحلة والشوف والكورة. ما يجعل قرار اجراء انتخابات نيابية جديدة، كما التمديد، بين يدي الحليفين السنّي والشيعي ليس الا.
ثالثها، ان استحقاقي الرئاسة والانتخابات النيابية ملفان مستقلان احدهما عن الآخر، ومن غير المحتم ان يؤول تحقيق احدهما الى ابصار الآخر للتو النور، او في احسن الاحوال المقايضة في ما بينهما. انتخاب الرئيس قرار خارجي باقتراع داخلي، وانتخاب البرلمان ـــ كما تمديد ولايته ـــ قرار داخلي بملاقاة خارجية نسبية التأثير. في الاسبوعين الاخيرين سمع مسؤولون رسميون من سفراء دول غربية نافذة عدم ممانعتهم تمديد الولاية، تكرارا لما قالوه عشية تمديد 2013، بعدما اقترن بحجة انه يضمن الاستقرار الداخلي واستمرار الشرعية. بيد انهم فضّلوا المدة أقصر تقل عن ستة اشهر، كي لا يبعث طولها على الاعتقاد بأن لا انتخابات نيابية خلال السنتين المقبلتين، وان تعذر انتخاب الرئيس سيطول بدوره الى هذا الوقت.