60 «تشريعاً ضرورياً» و17 «جلسة رئاسية».. ولا قانون انتخابياً
2014: «السلسلة» ضحية.. و«التمديد» بطل البطالة!
لا تُنفخ الروح في ساحة النجمة سوى ليلة واحدة في العام. ابتسمت الساحة لروادها المتجمعين حول ساعتها، بانتظار نهاية العام 2014. فرحت لفرح الأطفال الذين نفضوا عنها غبار الفراغ الذي صار ملازماً لكل المنطقة الأمنية المحيطة بمجلس النواب، قبل أن تعود إلى بؤسها مع طلوع النهار الأول في 2015.
منذ عشر سنوات والروح غائبة عن ساحة النجمة. والمواكب النيابية الصاخبة لم تساهم إلا في إغراقها في مزيد من البؤس. مواكب سريعة.. بلا بركة تسبقها أصوات أبواق مزعجة، تمر كل حين لتذكير الناس أنهم يعيشون في كنف نظام ديموقراطي برلماني، ولو أنه كثير التشويه.
صوت الأبواق ليس دليل عافية ولا يعني حكماً أن النظام التشريعي بخير. جلسات المجلس تعد على الأصابع، وللمفارقة، فإن كل ما عقده المجلس من جلسات في العام 2014 لا يساوي ربع عدد الدعوات لجلسات لم يتأمن نصابها. لكل أسبابه ليقاطع ولكل حكمته في التمديد لنفسه. أما النتيجة، فتثبيت موقع العام 2014 بوصفه ثاني أفشل أعوام المجلس من حيث الإنتاجية.. بعد العام 2013، بالرغم من إقرار نحو 60 قانوناً معظمها روتينية تتعلق بالموافقة على قروض وهبات واتفاقيات.
مع ذلك، فإن للعامين بركتهما على النواب. في كليهما جدد للمجلس (31 أيار 2013 و5 تشرين الثاني 2014) من دون انتخابات، وإذا كان هؤلاء قد لجأوا إلى التمديد الأول بخجل والكثير من التبريرات، فقد جاهروا برغبتهم بالتمديد الثاني، وصولاً إلى تهديد بعضهم بمقاطعة الانتخابات.
شهدت ساحة النجمة إقفالاً أكبر في العام 2014، لإفساح المجال أمام مواكب النواب الساعين إلى تسجيل أسمائهم في قائمة الحاضرين في الجلسات الـ17 التي دعا رئيس المجلس إليها في إطار الدورة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، من دون ان يكتمل نصاب أي منها.
وفيما تحولت جلسات انتخاب الرئيس إلى فولكلور ممل لا يستهوي حتى النواب غير المقاطعين الذين ينخفض عددهم مع كل جلسة، فقد كان واضحاً أنه لولا هذه الجلسات التي لم تعقد، لما كان سجّل أرشيف المجلس عدد جلسات يفوق عدد أصابع اليد الواحدة، ولولا التمديد والدفعة التي أعطاها للتشريع لما تخطى العدد ثلاث جلسات.
حكومة سلام تحيي المجلس
لم يفتح المجلس النيابي أبوابه في العام 2014 قبل 19 آذار، حيث عقد جلسة خصصت لمناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام واستمرت ليومين. قبل ذلك، لم يشهد المجلس أي جلسة تشريعية منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 22 آذار 2013، بسبب رفض كتلة «المستقبل» التشريع في ظل وجود حكومة تصريف أعمال. وكانت النتيجة أن اقتصر التشريع في العام 2013 على إقرار قانوني تعليق المهل الانتخابية (10 نيسان) والتمديد للمجلس (31 أيار)، وأضيفت لهما جلسة انتخاب مكتب المجلس وأعضاء اللجان في بداية العقد العادي في تشرين الأول.
وبالرغم من أن التمديد الأول جاء مشروطاً بضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، إلا أن اللافت للانتباه أن التمديد انقضى وأضيف له شهران من دون أن يطرح أي قانون على النقاش في الهيئة العامة. ومع الدفعة الجديدة التي حصل عليها الموضوع في التمديد الثاني، حيث عادت لجنة التواصل الانتخابي إلى الالتئام، إلا أنه صار محسوماً أن لا جلسة ستعقد لإقرار أي قانون انتخابي قبل ملء الفراغ في قصر بعبدا.
لم تعد الحياة إلى المجلس النيابي إلا في الأول والثاني والثالث من نيسان 2014، حيث عقدت الجلسة التشريعية الأولى منذ بداية العام 2013. وكان جدول الأعمال التراكمي قد ضم 70 بنداً، أبرزها «العنف الأسري» و «تثبيت المياومين» و «قانون الإيجارات»، فأقر حينها 39 مشروعا واقتراحَ قانونٍ وأجّل 31 قانوناً آخر.
ولأن المجلس كان متحمساً للتشريع، عقدت جلسة ثانية في 9 و10 نيسان، فأقر 8 مشاريع وأجّل سبعة.
«السلسلة» تطير
وصلت «سلسلة الرتب والرواتب» إلى الهيئة العامة لمجلس النواب في 15 نيسان. أكثر النواب من الكلام في المناقشة العامة، فلم يتم الدخول بمواد القانون إلا في جلسة 14 أيار. عندها تبين أن الاتفاق لم ينضج بشأنها فتسلى المجلس بالمواد الثانوية.
التأجيل الثاني بدا مربِكاً، فتحديد الجلسة في 27 أيار يعني أنها ستلي يوم انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في 25 أيار، ما يفرض قواعد جديدة ويخلط كل الأوراق. وبالفعل هذا ما حصل. لم يكتمل النصاب في حينها، فأجلت إلى 10 حزيران من دون أن يتغير شيء في مسألة الحضور. ولولا تلاوة مرسوم الدورة الاستثنائية الذي أقره رئيس الجمهورية قبل مغادرته لما عقدت الجلسة. إذ أنه بمجرد، تلاوة المرسوم وبدء درس «السلسلة»، انسحب «المستقبل» وحلفاؤه، مع خرق وحيد سجله النائبان بهية الحريري وروبير غانم، فرفعت الجلسة إلى 19 حزيران. حينها دخل الرئيس نبيه بري إلى القاعة وأعلن أن الجلسة ستبقى مفتوحة. وبالفعل، بقيت كذلك حتى الخامس من تشرين الأول، يوم وافق تيار «المستقبل» على العودة إلى التشريع، تمهيداً لإنضاج جلسة التمديد النيابي.
نام النواب على اتفاق منجز بين «المستقبل» والرئيس نبيه بري حول «السلسلة»، تنازل الأخير بموجبه عن رفضه زيادة الضريبة على القيمة المضافة، مقابل تنازل «المستقبل» عن رفض الدرجات الست للأساتذة. لكن الصباح طلع على قرار آخر. فوجئ كثر في الجلسة بخروج عقدة مفاجئة تمثلت بإعلان وزير الدفاع سمير مقبل أن الجيش يرغب بـ «سلسلة» مستقلة، فطار المشروع بأكمله.. وما يزال.
حتى أن اجتماعات اللجان المشتركة التي عادت لمناقشة المشروع توقفت بدون أي سبب منطقي وما تزال، بانتظار دعوة بري لاستكمال النقاش. وبالنتيجة، بدا أن وظيفة تلك الجلسة محدودة بإحياء التشريع قبل موعد جلسة التمديد. ولم يصب من ظن لوهلة أن التسوية عنوانها التمديد مقابل «السلسلة»، بعدما تبين أن الجميع يؤيد تمديد ولاية المجلس. لذلك كان كافياً أن تشهد تلك الجلسة إقرار خمسة قوانين تتعلق بالموافقة على قروض اتفاقيات مشتركة مع مؤسسات خارجية.
الورقة البيضاء تتفوق
في 23 نيسان 2014، كان الموعد مع الدورة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية. عقدت الجلسة من دون أن يتمكن أي من المرشحين من الحصول على ثلثي عدد الأصوات. جل ما حصل أن الأوراق البيضاء تفوقت على سمير جعجع. الأوراق البيضاء حصلت على 52 صوتاً وجعجع على 48 صوتاً. بعدها كان النائب هنري حلو (16 صوتاً) يسجل اسمه في سجلات المتنافسين على الموقع الأول في البلاد، ويثبّت النائب وليد جنبلاط نفسه ناخباً أساسياً لا يمكن تجاوزه في الدورات اللاحقة.
ومنذ ذلك التاريخ والدعوات مستمرة لعقد جلسة انتخاب يحتاج الفائز فيها إلى النصف زائدا واحدا من أصوات أعضاء المجلس، من دون أن يتأمن نصاب الجلسة (86 نائباً)، علماً أن السابع من الشهر الحالي سيشهد الجلسة رقم 18 من دون أن يكون هنالك أي فرصة لانعقادها، طالما أن التسوية المنتظرة لم تحصل بعد.
بعيداً عن التشريع والانتخاب، عقد المجلس جلستين عامتين، الأولى في 21 أيار وخصصت للاستماع لرسالة رئيس الجمهورية، والتي حثه فيها على انتخاب رئيس للجمهورية، فيما خصصت الثانية للتضامن مع غزة والموصل.
نضج التمديد، بموافقة أغلبية الكتل عليه، بعدما كان نبيه بري يجاهر برفضه، فعقدت الجلسة في 5 تشرين الثاني، وأقر تمديد ولاية المجلس للمرة الثانية ولمدة سنة وسبعة أشهر، تضاف إلى سنة وخمسة أشهر أقرت في التمديد الأول. 95 نائباً أيدوا القانون، فيما عارضه نائبا «الطاشناق» فقط من بين كل الحاضرين في المجلس. في المقابل، سجلت مقاطعة 25 نائباً للجلسة يمثلون كتلتي «التيار الوطني الحر» و «الكتائب».
وقد أقر المجلس في تلك الجلسة، إضافة إلى التمديد، 7 بنود أبرزها اقتراح القانون الرامي إلى فتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة قدره 340 مليار ليرة (خفض المبلغ من 500 مليار بسبب اعتراض الرئيس فؤاد السنيورة) لتغطية النفقات الملحة في الإدارات.