IMLebanon

عام 2014: الحصاد المر

لو أراد المرء الكتابة عن الوضع اللبناني خلال العام 2014 المنصرم، وذلك على مستوى الصعد الرئيسية لتسابقت الى ذاكرته كل النعوت والعبارات والتوصيفات الأكثر تشاؤماً وبعثاً على القلق والاحباط لدرجة اتهامه بالسوداوية واليأس والاحباط. إلا أن مقاربة موضوع من هذا القبيل أو غيره لا فرق: يتوجب علينا أن نكون صادقين شفافين أمينين، فلا نتخاذل أو نراوغ أو نحاول تجنب البوح بالحقيقة على قاعدة متابعة الكفاح لتغييرها.

سنة كاملة مضت من عمر شعبنا ونحن نسير في خط انحداري نحو الأسوأ والأكثر دفعاً بنا نحو المزيد من المخاطر وتوليد المزيد من الأزمات وكأننا ندور في حلقة مفرغة من المشكلات التي تحتاج الى حلول، ولا حلولاً لها في المستقبل المنظور. وما دمنا جزءاً وامتداداً لمنطقة متخمة بالصراعات والمنازعات الضارية بل المصيرية فإننا من دون شك مرتبطون ارتباطاً عضوياً بها ومن الخطأ بمكان تجاهل هذه الحقيقة. فالحرب الضارية المستعرة في سوريا ترخي بظلالها على الوضع اللبناني. فلقد ازداد عدد النازحين السوريين الى لبنان ما يقارب المليوني نازح سوري، شعرنا بل استفقنا متأخرين جداً على حقيقة أن لبنان ليس بمقدوره قط تحمل أعباء ايوائهم ومساعدتهم بإمكانياته الذاتية المتواضعة ولا من خلال الدعم المحدود لنا من المجتمع الدولي. وتشكو الطبقة العاملة والشغيلة وأصحاب المهن الحرة المتواضعة من المنافسة السورية في مقاسمتهم لقمة عيشهم وفرص عملهم.

في الوقت نفسه لم يفض مؤتمر جنيف2 الى أية نتائج تؤدي الى حل سياسي للأزمة السورية، بالرغم من التورط الفاضح للنظام الأسدي في استخدام السلاح الكيماوي، ومن الواضح أن المجتمع الدولي عاجز عن تطبيق بيان جنيف1 عام 2013 القاضي بتنحي الأسد. وبالمقابل شهد العام المنصرم المزيد من انغماس حزب الله اللبناني في الحرب السورية ومناصرته لفريق ضد آخر هناك، وتورطه في المنحى المذهبي للحرب. فتحت شعار «الذهاب الى هناك لمحاربة التكفيريين» إذا بحزب الله يستدعيهم عملياً للحضور عندنا، فبدأت سلسلة الانفجارات والعمليات الارهابية على أرضنا وكانت ذروتها معركة عرسال التي ما زلنا حتى اللحظة نحاول الوصول الى حل نهائي لها. دعك وما جرى في طرابلس والجهود المميزة لتطبيع الأوضاع فيها، فإن الطابع المذهبي لأداء حزب الله في لبنان وخارجه يؤدي عملياً الى نشوء نزعات مذهبية مضادة له يحاول الارهاب التسلل من خلالها ليصبح حالة من التطرف المتساوق معه في غير منطقة من لبنان.

ينتهي عهد الرئيس ميشال سليمان والبرلمان عاجز تماماً عن انتخاب رئيس جديد رغماً عن دعوته 17 مرة للانعقاد ولكن من دون جدوى. فتصبح البلاد بلا رئيس في الوقت الذي جرى لملمة الوضع الحكومي عبر حكومة غير متجانسة تواجه أزمات كبيرة تعجز عن حلها. فالأمن المتسيب تفاقم اضطرابه عملياً أزمة سلاح حزب الله التي اكتسبت بجدارة قسرية ومأسوية صفة قوى الأمر الواقع. لا بل أسوأ من ذلك عندما نشهد على حدودنا الجنوبية جنود وضباط الحرس الثوري الايراني ببزاتهم العسكرية الرسمية يؤدون مهام قتالية. ويفاقم وجود هؤلاء ليس اعتبار سلاح حزب الله ومقاتليه امتداداً للطموحات الايرانية الواسعة فحسب بل التصريحات الايرانية الرسمية على أعلى مستويات السلطة في طهران، تارة ان لبنان ولاية ايرانية وطوراً انه، بوضعه الحالي، يشكل الحدود الغربية لإيران. ويفاقم قلق اللبنانيين حول هذه المسألة سيطرة قوى الأمر الواقع على مرافق البلاد الحيوية ومفاصلها الرئيسية واستفحال الفساد والرشوة والتسويات المريبة في المعاملات الرسمية وذلك تحت سمع وبصر السلطة والمواطنين.

انقضى العام 2014 ولم يتمكن البرلمان من ايجاد التشريع المتوازن الضروري لتلبية مطالب قطاع التعليم، فكانت النتيجة المأسوية أن مرّ العام الدراسي بدون اجراء امتحانات رسمية ولا شهادات. وكأن سياسة التعطيل والشغور والفراغ سحبت نفسها أيضاً على قطاع التعليم.

أمام هذه الوضع المأزوم حتى حدوده القصوى اضطر البرلمان للتجديد لنفسه، فلا المؤسسة العسكرية ولا القوى الأمنية بمقدورها في ظل الوضع الداخلي المشحون بالتوتر تأمين اجراء انتخابات تشريعية تتسم بالحد الأدنى من الأمن ومن النزاهة والشفافية. هذا بصرف النظر عن حاجتنا الماسة لتشريع قانون انتخابي جديد.

ويبدو الوضع المعيشي لنا خلال العام المنصرم في غاية السوء. فالقطاع السياحي وهو مصدر رئيسي من مصادر الدخل لعشرات ألوف العائلات في خط انحداري واضح، ذلك ان السياسة الحمقاء التي غرقت فيها حكومة الصناعة السورية، بمعاداة العرب تحت بدعة النأي بالنفس التي هي نفسها جرى امتهانها ابتداء من الجامعة العربية وصولاً الى جنيف ونيويورك، فقد أصبح لبنان بلداً غير آمن بالنسبة للسياح العرب.

استشرت البطالة وبارت المواسم الصيفية وكسدت المنتجات الزراعية وصادراتها الى العمق العربي، فأصيب قطاع زراعي كامل بأضرار فادحة. ولم يعد أحد يسمع لا باتحاد نقابات العمال ولا برابطات المزارعين، فالعمال والشغيلة ونقاباتهم جرى تمزيقها طائفياً ومذهبياً، فتلاشت صدقية تمثيلها للعمال ومصالحهم ومطالبهم وباتوا جزءاً من التجاذب الطائفي والمذهبي في البلاد.

خلال العام المنصرم شهدت الوقائع الأمنية ازدهاراً لا مثيل له للجريمة المنظمة وخطف الأبرياء مقابل فديات مالية، وتفاقماً لا مثيل له للتهريب عبر الحدود المتسيّبة وفي الداخل حيث غزت المخدرات الفنادق والمطاعم والمقاهي بل طاولت الجامعات والمدارس. وفي آن معاً يسير بخط تصاعدي ازدهار البغاء فقد شكلت المأساة السورية مادة دسمة لشبكات الدعارة المتعددة الجنسيات.

ولولا المبادرة الشجاعة المسؤولة الطيبة لوزير الصحة ورفاقه، في اندفاعهم المشهود بمكافحة الفساد الذي ضرب في الصميم الأمن الغذائي للبنانيين في المطاعم والمقاهي والفنادق، والسوبرماركيهات، لكانت صورة 2014 في هذا المجال قاتمة سوداء لأبعد الحدود.

ويتساءل اللبنانيون بحق أين أصبحوا وهم غارقون في الظلام بفعل أزمة الكهرباء واستفحال ارتفاع بدلات المولدات الخاصة التي شكل أصحابها مافيات حقيقية تنهب جيوب المواطنين. ولا تقل أزمة المياه أهمية عن سابقتها حيث يجري التلاعب بساعات ضخ المياه للبنايات والمنازل فيجري تحويلها لبساتين ومزارع النافذين.

أمام هذا الوضع المتردي، كانت خطوة الرئيس سعد الحريري الحميدة والمسؤولة، بالدعوة للحوار مع حزب الله، لعله بالإمكان البدء والشروع في مكان ما، غالب الظن هو من خلال التفاهم على رئيس توافقي، للعمل على انقاذ البلاد أو المركب من الغرق النهائي والمحتوم، كما تشير الى ذلك الوقائع.

لقد كان عام 2014 غير مشجع على الاطلاق، فإذا كانت الحرب الدائرة في العراق وسوريا ضد الارهاب، والتي ينتهزها فرصة النظام الأسدي لإطالة بقائه في الحكم من خلال التفاهم الايراني الأميركي، ستظل تنعكس سلباً علينا في لبنان، فلنبادر الى ترميم ما أمكن من بيتنا الداخلي. أما الأزمات الأخرى، فما زلنا عازمين على التصدي لها، بانتظار ما ستؤول إليه الصراعات الاقليمية من نتائج قد تحمل بعض الايجابيات لهذا الوطن المعذب الذي اسمه لبنان.