Site icon IMLebanon

2014 سنة مواجهة الإرهاب الطامع بجعل لبنان ساحته: إنجازات ميدانية للجيش… وقصور في معالجة ملف العسكريين

كان يوم 2 آب الماضي، هو موعد الصدام المباشر والأكثر شراسة بين لبنان بأسره وبين الارهاب التكفيري والجامح نحو مزيد من التوسع في ثلاث ساحات عربية، ليكون ذلك محطة سياسية – أمنية كبيرة للبنان حكومة وشعباً، بدا معه وكأن الارهاب على جبهة “الداعشي” و”النصروي” قد قبض على قرار الاستقرار والاضطراب الداخلي اللبناني، وشرع في عملية ضغط وابتزاز، لها أول وليس لها آخر، بحيث صارت السمة الأبرز في دورة الحياة السياسية الداخلية طوال أشهر السنة الماضية، وهي ولا ريب ستتوالى فصولاً في السنة الطالعة.

سبق لهذا الارهاب المنفلت من عقاله أن مدّ أصابعه الاجرامية الى الداخل اللبناني عبر العديد من الضربات الانتحارية التي استهدفت خصوصاً الضاحية الجنوبية والسفارة الايرانية حيث سقط العشرات من الضحايا، ولكن ثمة من بدا غير مهتم بهذه الافعال الاجرامية معتبراً انها محصورة مكانياً، انطلاقاً من انها “ردة فعل”، على انخراط “حزب الله” في الميدان السوري الى جانب النظام، لدرجة ان هناك ماكينة سياسية – اعلامية معروفة ربطت بين الأمرين، معتبرة ان الخلاص هو في خروج الحزب من الميدان الملتهب الذي دخله.

إلا أن الهجوم الارهابي على مواقع الجيش في عرسال، وقتل اكثر من 18 ضابطاً وجندياً، وخطف أكثر من 30 جندياً ودركياً كانوا في مخفر البلدة الى جرود البلدة الوعرة، فرض واقعاً جديداً ومشهداً مغايراً من عناوينه العريضة:

ان سيف الارهاب المسلول يطاول كل لبنان من دون تمييز، وان له اطماعاً وطموحات في الداخل اللبناني.

إن الارهاب أعلن صراحة انه لم يضرب ضربته الموجعة اللئيمة ضد الجيش في عرسال، إلا لأن هذا الجيش بادر الى اعتقال احد رموزه عماد احمد جمعة.

إن الارهاب الذي أسر عرسال واحتلها وفق تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق قد دخل وبشكل واسع في صراع ارادات مع المؤسسة العسكرية في لبنان، واستتباعاً مع كل لبنان، مما اسقط مقولة ان بامكان لبنان النأي بنفسه عن الصراعات في سوريا وفي المنطقة، وأعطى أهمية لمقولات اخرى سبق لها أن حذرت من ان أصابع الارهاب ستمتد عاجلاً أم آجلاً الى لبنان لتعبث به طال الوقت أم قصر.

فتح حدث عرسال الطارئ باب السؤال حول مسألة قدرة الجيش على المواجهة والصمود والذود عن لبنان، وخصوصاً انه يعاني ضعفاً في القدرات التسلحية، وفتح باب السجال في موضوع تعزيز امكانات هذا الجيش ليؤدي واجبه الوطني في هذه اللحظة.

وأكثر من ذلك، فتح الحدث نافذة حول السبل الآيلة الى استعادة العسكريين المأخوذين عنوة الى الضربة الموجعة التي تلقاها لبنان عبر جيشه على الحدود الشرقية في البقاع، أثارت عاصفة من الجدال والسجال السياسي حول من يتحمل المسؤولية، وهل ثمة تراخ وعدم تهيؤ للمواجهة، وكيف تمكن الارهابيون من قتل هذا العدد من العسكريين وخطف عدد آخر، وكيف استطاعوا الخروج من عرسال الى جرودها، ولماذا أساساً طلبت الحكومة بشخص رئيسها وقف النار، وهو ما أتاح للإرهابيين نقل العسكريين، مما اضطر قائد الجيش نفسه الى الخروج في سابقة أمام الاعلاميين لاعطاء صورة عن الجبهة.

ولاحقاً برزت أسئلة أخرى حول الجهة التي طرحت نفسها تلقائياً للتفاوض مع الخاطفين، وهل هي جهة نزيهة وقادرة، ومن اعطاها تفويضاً رسمياً بأداء هذه المهمة الصعبة، وخصوصاً ان الجهات الارهابية الخاطفة عمدت فوراً في عملية ابتزاز الى قتل احد الجنود المخطوفين وهو علي السيد من الشمال والتهديد بقتل آخرين، مما اضطر اهالي العسكريين المخطوفين المنتمين الى كل ألوان الطيف الطائفي في لبان الى النزول الى الشارع، فقطعوا طريق ضهر البيدر قبل ان تقنعهم وساطات معينة بنقل مخيم اعتصامهم الى ساحة رياض الصلح قبالة السرايا الحكومية.

أيام عدة مضت مضت على اجواء من الاضطرابات والبلبلة السياسية قبل ان يستوعب لبنان تداعيات هذه الضربة على النحو الآتي:

ألفت الحكومة “خلية أزمة” برئاسة رئيسها تمام سلام مكونة من وزراء الدفاع والداخلية والعدل والخارجية والمال وقادة الاجهزة الأمنية، أوكلت اليها مهمة الاشراف على ملف العسكريين المخطوفين.

ولاحقاً أقرت الحكومة مبدأ المقايضة وذلك بعدما حسمت الجدال حول الأمر، خصوصاً بعد صدور أصوات ترفض المبدأ وأخرى تؤيده، وبعدما أعلن “حزب الله” صراحة انه ليس ضد المبدأ ولا سيما انه توسله سابقاً ولاحقاً.

خطا لبنان خطوة عملية أخرى، اذ كلفت خلية الازمة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم مهمة المتابعة التنفيذية للمفاوضات اتكاء على خبراته السابقة، فيما قبلت الدوحة ان تضطلع بدور الوسيط مع الخاطفين وكلفت فعلاً سورياً معارضاً يقيم على أراضيها هذه المهمة الشاقة والدقيقة.

وعليه بدأت مهمة الوساطة وقدمت الجهتان الخاطفتان مطالبهما الى الدولة اللبنانية واشترطتا تنفيذها للافراج عن المخطوفين لديهما. وتبين وفق ما نشر لاحقاً ان المطالب هي عبارة عن ثلاثة خيارات جوهرها واحد وهو الافراج عن لبنانيين وسوريين وفلسطينيين يعتقلهم لبنان بتهم تتصل بالارهاب، ومعهم أيضاً ضمان اطلاق معتقلين ومعتقلات لدى النظام في سوريا. لكن الأمور لم تأخذ طريقها نحو الخاتمة السعيدة المأمولة، اذ اوصدت قنوات التفاوض بعد تطورين سياسيين، الأول: قتل الخاطفون جندياً رابعاً هو علي البزال، والثاني انسحاب الوسيط القطري بعدما أوحت الدوحة، بأن الأمور بلغت الحائط المسدود.

اعدام الدركي البزال الذي جاء رداً على اعتقال امرأتين بتهمة الانتماء الى الارهاب اسقط من جهة وعداً كان تلقاه لبنان بتوقف الارهابيين عن قتل العسكريين، واكد ان للارهابيين اهدافاً ومقاصد أخرى مضمرة في ملف القضية، وانهم يريدون من لبنان ما يتعدى الافراج عن المخطوفين الى بقاء هذا البلد ساحة يتزودون منها ما يحتاجون اليه من تموين وتذخير ويتحركون فيه بحرية، باعتباره حديقة خلفية لهم، فضلاً عن رغبتهم في ربط خفي بين الساحة اللبنانية والساحتين في سوريا والعراق، اضافة الى استمرار رغبتهم في التأثير على الوضع الداخلي اللبناني.

ابان التفاوض، دخل لبنان في اختبارات عدة بينه وبين الارهابيين، فالجيش اعاد تعزيز وجوده في محيط عرسال وتمركز في ثماني نقاط استراتيجية مقفلاً كل المعابر بين البلدة وجرودها لمنع وصول الامدادات الى الجهات الارهابية.

وفي الوقت عينه شرع الجيش في مواجهات مفتوحة ضد الخلايا والمجموعات الارهابية في الداخل، فكانت عملياته في الضنية وطرابلس وقرى شمالية أخرى والتي أدت الى القبض على رموز ارهابية عدة، وعلى تفكيك شبكات ارهابية خطرة، وهو أمر أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي أنه أدى الى قطع الطريق أمام “إمارة” كان يعد لها الارهاب في الشمال.

وخلال ذلك لم تتوقف عمليات توقيف المشتبه بانتمائهم الى الارهاب او قيامهم بعمليات لمصلحته حتى تجاوز عديد الموقوفين وفق بعض الاحصاءات الرسمية أكثر من 400 شخص، وخصوصاً ان هذا الارهاب الداخلي شرع في عمليات اغتيال للعناصر العسكرية.

وما لبث الارهاب ان رد بعمليات ثأرية في محيط عرسال وفي جرود رأس بعلبك وما بينهما في جرود بريتال حيث استهدف مواقع لـ”حزب الله”. والى ذلك كان الارهاب يمارس ابتزازه من خلال التهديد بقتل العسكريين او قتل بعضهم.

وهكذا انتهت السنة التي نودع ايامها الأخيرة على مشهد عنوانه العريض أن لبنان نجح عبر صمود جيشه واقدامه في الوقوف بوجه الارهاب، واثبت انه لن يكون ممراً أو مقراً لهذا الارهاب مهما بلغت درجات ابتزاز الارهابيين عبر التهديد المستمر بقتل العسكريين المخطوفين، مع ادراك لبنان ان منازلة الارهاب لم تنته فصولاً بعد.

ولا ريب ان لبنان بدا مصمماً على تعزيز قدرات جيشه من خلال فتح الباب أمام تطويع المزيد من شبابه ومن خلال الحصول على مزيد من الاسلحة والاعتدة الحديثة، والتي صار معلوماً ان طلائعها الاولى ستكون من الهبة السعودية التي أبرمت بين الرياض وباريس والتي أعلن رسمياً انها ستبدأ مطلع آذار المقبل.

وفي المقابل بدا واضحاً ان هناك توجهاً وطنياً لرفض هجمات الارهاب على الحدود او في الداخل والوقوف في وجه محاولاته للعب على التناقضات المذهبية والطائفية، وقد تجلى هذا التوجه من خلال الالتفاف حول المؤسسة العسكرية وفي إقرار جميع الافرقاء بانعدام “البيئات الحاضنة” للارهاب في المناطق التي راهن هذا الارهاب عليها.

ومع ذلك تبقى قضية العسكريين المخطوفين هماً وطنياً بامتياز. ووقت بدا ان ثمة قصوراً لدى خلية الأزمة في تحقيق نجاحات واختراقات خلال الاشهر الخمسة الماضية في معالجة هذا الملف، برز جلياً في الايام القليلة الماضية ان الدولة، وان ظهرت بمظهر الجاد في البحث عن مقاربات جديدة لمعالجة هذا الملف وضمان عودة العسكريين المخطوفين سالمين، إلا أن الأمر لا يبدو سهلاً، فثمة محطات تجريبية لايجاد مفاوض من جهة، لكنها ما زالت في بداياتها وهي ليست مضمونة وليست بالقصيرة من جهة أخرى.