IMLebanon

“كلّة” 2015

يعرف الجنرال ان النزول الى الشارع ليس صنعته اليوم في ظل “تقنن” الحزب في هذا المجال. ويعرف ان المسيحيين، عموماً، لا يستسيغون التمرد على الدولة. والأهم ان تمويه الشخصي بالطائفي لم يعد يمارى: فالرئاسة يطلبها لنفسه، مقابل التغاضي عن أزمة صلاحياتها، وقيادة الجيش لصهره، وإلا ضاعت حقوق المسيحيين!! (وهل المرشحون المنافسون، غير مسيحيين).

ويعرف الجنرال ان الرأي العام المسيحي، ممثلاً بـ “الكتائب” و”القوات اللبنانية”، غير قريب من موقفه. اذ يميل الأول الى الاعتقاد بعبثية الخطوة، ويصمت الثاني ليس دعما، بل التزاما بالحد من التوتر الذي يبتغيه “إعلان النيات”، فيما الباقون لا يخفون اختلافهم معه وعنه.

يكشف التهديد بالشارع مدى أزمة التيار العوني: فدعم حليفه له محدود بمدى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية الذي يوفره الجنرال، وتاليا تعليق مصير البلاد انتظارا لجلاء المشهد الاقليمي، فيما حليف حليفه، أقرب الى خصومه، في الأزمة الحكومية المفتعلة، وأحرص على حفظ بقايا الأسس الدستورية لوجود الدولة، في ظل الفراغ الرئاسي، والتمديد النيابي. كذلك فإن عدم تعيين صهره سيدفع بالأخير إلى غمار معركة رئاسة التيار، وخربطة السيناريو المحضّر.

حتى ان حزب الامين العام، اذ يؤيد الجنرال، يعرف ان النزول الى الشارع، سيقف عند الأسلاك الشائكة في محيط السرايا الحكومية، لا أكثر، وإن لم يكن مستبعدا أن يرفده بالكثير من عناصر “سراياه” لمقتضيات “الزوم إن والزوم آوت”.

لأن الجنرال يعرف أن كل ما تقدم وأكثر، يحتاج الى “عدو” مفترض ليستنفر جمهوره المفترض، فـ”يشيطن” “تيار المستقبل” وجمهوره، و”يدعّشهما”، ناسيا كل إعجابه بالاعتدال الذي يمثلانه. وكما ينتحل لـ”المستقبل” ما ليس فيه، ينتحل لنفسه ما ليس له، فيلغي وجود المسيحيين، من غير نهجه، ويحتكر وزنهم في “الميثاقية” ليصف تخطي اعتراضاته بأنه نقيضها.

لكن كل ذلك يعيد الأزمة إلى منطلقها: الفراغ الرئاسي، وحلقته المفرغة. ففي مجلس الوزراء، الأخير، أعلن وزيرا حزب الأمين العام تأييدهما مطالب وزيري التيار العوني، “استنادا إلى الآلية الحكومية في غياب رئيس الجمهورية”، وفق قول الوزير حسين الحاج حسن، فسأله الوزير رشيد درباس: وما سبب غياب الرئيس؟ فأجابه: “عدم انتخابكم مرشحنا”. أي القبول بديكتاتورية هذا السلاح، ما يعطي معنى لقول مرشحه إنه يجب أن يُرأّس لأنّ الحزب يؤيده، وهو يؤيد بقاء السلاح بيد الحزب. مع ذلك يتساءل لم لا يؤيده الخصوم!

ما وصفه الرئيس ميشال سليمان بـ”النزق الصبياني” ليس بعيدا عما يريده الحزب وحلفاؤه الممانعين. ففتنة الجبل 1840 انطلقت من خلاف على لعبة الكلة بين أولاد، استفادت منه قوى خارجية، والخلاف على الرئاسة ليس أبعد من ذلك في افتعاله، فبين أطرافه مَن يصر على أن يحتكر الحق في الفوز، وبـ”كلة” مكسورة ومشهودة.