Site icon IMLebanon

2015 : عام الفرصة المهدورة لفريق 8 آذار

إذا صحّت مقولة ان الاعوام بعد انصرام حبلها تحسب انها سارت احياناً لمصلحة شخص او جهة اوالعكس، فإن بالإمكان إدراج العام الموشك على الرحيل في خانة قوى 8 آذار مبدئيا اذ كان عام فرصة هذا الفريق بجدارة ولكن .. الفرصة المهدورة والضائعة.

قبل اقل من شهر ونصف شهر من نهاية عام 2015 لاح في الافق نجم حظ هذا الفريق ساطعا، اذ ذهب احد اركانه رئيس تيار”المردة ” النائب سليمان فرنجيه بعيدا عن الاضواء في زيارة خاطفة الى باريس ليعود منها بعد لقاء مع زعيم تيار “المستقبل” وقائد فريق 14 اذار الرئيس سعد الحريري مرشحا جديا للرئاسة الاولى الشاغرة منذ اكثر من 550 يوما.

وبمعنى اوضح عاد القطب الشمالي المعروف بعلاقته الوثقى بدمشق بدعم واضح من الفريق الاخر لبلوغ قصر بعبدا وان عليه ان يؤمن دعم الفريق المنضوي تحت عباءته واستطرادا ان يجعله يتخلى عن تمسكه بالعماد ميشال عون مرشحا حصريا.

مفاجأة صادمة كانت لكل مكونات المشهد السياسي تركت اصداءها ووقعها وتداعياتها المدوية في ضفتي الاصطفاف السياسي المعروف على السواء . ولكن الوقع كان اكبر داخل الفريق الذي كان ينبغي ان يسارع الى اعتبار المبادرة الباريسية “نصرا” اتاه على طبق من ذهب وفرصة سيقت اليه على حين غرة لا تعوض عليه تلقّفها سريعا.

ايام من الصمت رانت على هذا الفريق قبل ان تتبدى فيه تداعيات مبادرة الحريري وتفاعلاتها الى درجة ان ثمة من بدأ يتوقع انفراط حبات عقد هذا الفريق الذي حافظ بصعوبة على تماسكه منذ نشوئه متجاوزا اختبارات عدة.

“التيار الوطني الحر” كان ولا ريب اكثر الذين هزتهم هذه المبادرة اذ اعتبرها محاولة لقطع الطريق نهائيا امام ترشيح زعيمه المزمن للرئاسة الاولى والمسمى مرشحا حصريا لفريقه.ورغم التزام رموز هذا التيار سياسة ضبط الاعصاب حيال ما اعتبروه ضربة من حليفهم، الا ان حربا خفية بدأها جمهور هذا المكون اعتراضا على المبادرة وعلى ترشيح رمزها النائب فرنجيه للرئاسة.

بداية مارس احد اركان فريق 8 اذار الرئيس نبيه بري سياسة صمت مطبق حيال هذا التطور المدوي، نافيا عن نفسه تهمة راجت وفحواها انه ثالث ثلاثة دبروا في ليل هذه المبادرة واوكلوا الى الحريري امر تنفيذها قطعا للطريق امام ترشيح عون، ثم ما لبث بري ان اظهر من المؤشرات ما يكفي ليوحي انه راض عن المبادرة وانه يسير في ركابها اذا ما قدر لها ان تمر. لكنه سرعان ما عاد الى الاعتصام بالصمت بعدما تيقن من ان الحزب ليس في وارد السير بها او اعتبارها امرا واقعا يتعين مقاربته.

وعليه كان من البديهي منذ سريان مفعول المبادرة ان تشخص الانظار اكثر ما يكون الى” حزب الله” للوقوف على جلية موقفه، خصوصا وقد سرت استهلالا معلومات فحواها ان الحزب على علم بالمبادرة التي اتت الى فرنجيه مذ كانت عرضا اوليا. لكن الحزب مارس لايام عدة دور “ابو الهول” اي الصامت الاكبر حيال الحدث برمته الى ان حدد موعد لقاء فرنجيه مع السيد حسن نصرالله ، فكان ان اظهر الحزب موقفه حاسما وجليا من خلال تسريب بدا متعمدا لمحضر اللقاء الى بعض وسائل الاعلام وجوهره الاتي :

– انت منا ومعنا ولا شكوك لدينا حيال وطنيتك وقوميتك.

– ما زلنا ملتزمين عون مرشحنا حصريا او من يسميه هو.

_ نحن مرتابون من المبادرة ومن اثمانها ومن الجهات التي تقف خلفها وفي هذه المرحلة بالذات.

– نحن جادون كل الجد في موضوع السلة المتكاملة التي سبق وتحدثنا عنها واعتبرناها اساس اي تسوية تاريخية.

وردا على سؤال لفرنجيه فحواه: لماذا لا يكون عندنا الخطة “ب” اذا كانت الخطة “الف “(ترشيح عون) مرفوضة ؟ كان جواب نصرالله حاسما : “ان صمود خطنا اجبر الفريق الاخر على عرض الرئاسة عليك، وان مزيدا من الصمود والتماسك سيجعلهم يقبلون بالمرشح الذي اعلنت انت مرارا انه مرشحنا. ورياح التطورات اقليميا وداخليا تسير لمصلحتنا ، لذا نتمنى عليك مزيدا من التروي والصبر”.

عقب ذلك راجت استنتاجات فحواها ان اندفاعة المبادرة قد فرملت وانها بعد ردَي عون والحزب ألت الى انطواء وتجميد، وان فرنجيه صار في طور اعادة النظر. لكن هذه الاستنتاجات ما لبثت ان تبددت بعد ظهور فرنجيه في مقابلة متلفزة اعلن فيها انه مرشح اكثر من اي وقت للرئاسة ، موجها سهام انتقاداته الى العماد عون مما اوحى للمراقبين استنتاجات ابرزها:

– ان فرنجيه تولى ترشيح نفسه شخصيا بعدما تلكأ الحريري ولم يف بوعد ترشيحه مباشرة ، وبعدما تخلى عنه النائب وليد جنبلاط ورفض ترشيحه عون والحزب وانكفأ بري عن دور كان ينبغي القيام به.

– ان المقابلة هي محاولة لتعويم المبادرة وابقائهاعلى قيد الحياة بانتظار الوقت المناسب رغم كره الكارهين من الطرفين.

واذا كانت المبادرة الباريسية قد اوجدت شرخا ظاهرا وعميقا بين مكونين اساسيين في 8 اذار، اي بين عون وفرنجيه وقاعدتيهما مما اوجد انقساما لا يمكن نكرانه على نحو وضع عصب هذا الفريق ،اي “حزب الله”، امام تحديات كبرى لاحقا وطرح اسئلة وشكوكا عن امكان قدرته ( اي الحزب ) لاحقا على رأب الصدع ، فان راصدي مسار هذا الفريق يدركون تماما انه لم يكن الصدع الاول من نوعه في جسد هذا الطرف. فالاشهر الاولى من العام الآفل كانت بحق اشهر الخلاف بين بري وعون وصلت بعض فصوله الى الاعلام وبقي بعضها الاخر مكتوما.

عناوين شتى كانت لهذا الخلاف منها ما هو ظاهر يرتبط بتضارب الحسابات والمصالح في داخل مجلس الوزراء والمؤسسات ، ومنها ما هو خفي يتصل بعدم مجاراة بري لعون في مقاطعة جلسات مجلس الوزراء اعتراضا على ما صار يعرف بآلية اتخاذ القرار واصرار وزراء عون على تعيين قائد اصيل للجيش (وقد رشح لذلك العميد شامل روكز) واصرار وزراء “امل”على تأمين النصاب للحكومة ، وهو امر توقف لاحقا فتعطلت جلسات المجلس بعدما رفع “حزب الله” البطاقة الحمراء. وقد بادر عون الى الرد على هذه المواقف لبري بترداد مواقف يدرك سلفا انها تثير حساسية بري من خلال اعتباره مجلس النواب الممدد له غير دستوري. وعموما لم يعد خافيا ان جوهر الخلاف هو ان بري لم يتحمس يوما لترشيح عون وانه كان له على الدوام مرشح وسطي يعمل لدعمه.وحيال ذلك كان دور الحزب تخفيف التناقضات وتبريد الاجواء ولم ينجح في جمع قيادة هذا الفريق رغم محاولات متكررة.

ولم يقف الحزب امام تحدي تدوير الزوايا الحادة داخل فريقه بل مضى قدما في الدور الاقليمي الذي رسمه لنفسه خصوصا في الميدان السوري مضيفا الى مهمته الاصلية اي الوقوف مع الجيش السوري في جبهات متعددة ، مهمة ارساء اسس مقاومة على الحدود السورية مع اسرائيل علها تكون رادعا لها للكف عن العبث في الميدان السوري، فكان ان دفع الثمن غاليا مرتين: الاولى في الشهر الاول من العام 2015 حيث سقط له خمسة من قادته العسكريين بينهم جهاد عماد مغنية ، وفي الشهر الاخير من العام نفسه حيث تلقى ضربة اغتيال سمير القنطار.