اغتيل الوزير الشهيد محمد شطح في الايام الاخيرة من سنة 2013، وقبل حلول اربعين استشهاده كانت القوى السياسية الكبرى في البلد اتفقت على الدخول في حكومة ائتلافية جديدة، واختير تمام سلام ليكون رئيسا لها، بإعتباره ممثلا للمرجعية السنية الاولى التي كانت تعرضت لانقلاب في مطلع 2011. وهذه المرجعية يرأسها سعد رفيق الحريري حتى اشعار آخر، كما اعتبر سلام جزءا من الشرعية التي عاد المكون المسلح الوحيد في البلد اي “حزب الله” واعترف بعدم امكان تجاوزها بالقوة. كانت البلاد في اشد حالات الاستقطاب والاحتقان المذهبي والطائفي، ومع ذلك تقاطعت مصالح القوى الفاعلة في لبنان بمستوياتها الثلاثة المحلية، الاقليمية والدولية لمصلحة فرض “التهدئة” على بلاد الارز، ومحاولة تجنيبه الانزلاق الى النارين السورية والعراقية. وبالرغم من تورط “حزب الله”، واستدراجه النيران السورية الى الداخل اللبناني، فقد نجحت القوى اللبنانية طوال العام الماضي في فصل تداعيات تورطه الاخرق عن الداخل بحيث جرى صد نيران الازمة السورية الى حد بعيد بفعل “تفاهمات” محلية.
وشهدت حكومة الرئيس تمام سلام انفتاح قنوات سياسية وامنية بين “حزب الله” وخصمه الاكبر في لبنان اي “تيار المستقبل”. وانقضى العام الماضي لبنانيا تحت عنوان “التهدئة” من دون حلول او حتى “تسويات”. واذا استثنينا الازمة الاقتصادية وحادثة عرسال التي جرى فيها توريط الجيش اللبناني في مواجهة مع مسلحي المعارضة السورية، وكانت مفتعلة، فإن لبنان كان افضل حالا من جيرانه على جميع المستويات. ويسجل للرئيس تمام سلام حكمة عالية في ادارة حكومة هي اشبه بمجلس رئاسي مكون من 24 رئيسا، وتميز سلوك سلام ولا يزال بالكثير من الهدوء والرزانة، وهما صفتان ضروريتان حكوميا في المرحلة الراهنة.
بالامس جرت الجولة الثانية من “الحوار” بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” في وقت كانت الصحف ونشرات الاخبار تركز على المناكفات الوزارية. وقد ساد تخوف من امكان تعطل الحكومة، او حصول مفاجأة تؤدي الى سقوطها!
لم يتغير شيء على مستوى “التفاهمات” التي ادت الى اقرار مبدأ “التهدئة” وترجمته بتكليف تمام سلام، ثم دخول الخصوم في ما سمي “حكومة الاضداد”. وهي في الحقيقة حكومة ائتلافية قرر فيها الطرفان الكبيران في البلد ضبط الاشتباك السياسي، وعزل الخلاف العميق على هوية لبنان ودوره وموقعه وتوازناته عن يوميات اللبنانيين في المدى المنظور.
من هنا وبغياب رئيس جمهورية جديد، تبقى الحكومة ترجمة واقعية لـ”تهدئة” ممددة هي الاخرى في سنة 2015.