منذ عشرين سنة على الأقل، ونحن نعلّل النفس بسنة تأتي من عالم آخر، من غير هذا العالم المجنون الملطّخ بالدم. كل سنة كنّا نودّعها بملحمة طويلة من الرثاء، على ما تعاظم فيها من فداحة الفحشاء والجرائم الملاحم، ولا نرى في طوالع الأيام الآتية سنة تطل علينا عروساً بل كمثل أترابها الخوالي، ومع كونها عجوزاً متصابية فلا تتورع من الوقوع في الخيانة الزوجية.
عشرون سنة على الأقل، ونحن نعيش مسيرة الآلام دونما قيامة، والعشرون سنة في المفهوم الزمني تشبه العشرين قلباً في المفهوم الشعري، عند الياس أبو شبكة حين يقول في طهر غلواء.
عشرون قلباً شربتِ الحبَّ مْن دمهِمْ وما شبعتِ ولم يشبِعْكِ شربُ دمي
سنة 2015 تحمل معها ألفين وخمسة عشر مشكلة وقضية ومعضلة معلّقة، وتحتاج معالجتها الى ألفين وخمسة عشر سنة، إذا ما ظلّت في عهدة هذا الطقم السياسي، الذي توالت على يديه السنون الطويلة مشرّعة على أبواب جهّنم.
كدتُ، مع نهاية هذه السنة أعفِّف قلمي عن أن يتلطَّخ بأوحال السياسة وأهلها ورجالها وأقذارها، وقد أثخنَتْه الحرب والحراب، وأدْمَتْه الخناجر المتبارزة بالقهر والغدر والطعن في الظهر.
وكدت أعلن الإستراحة من الهمّ الماروني الثقيل الذي أثقل قاعات القصر الجمهوري بأعباء الفراغ… إلا أن خبراً تناقلته المصادر وبعض الدوائر قد استفزّني بدهشة غاضبة، حين أسمع أن واحداً من هذا الطقم السياسي عندنا قد خسر مع إطلالة العام الجديد مليوناً وأربعمئة ألف دولار أميركي على طاولة القمار في ليلة واحدة في باريس.
ولست أدري كم ترتفع الخسارة في الليالي الباريسية اللاحقة على طاولة القمار، فيما ترتفع ديون لبنان بمليارات الدولارات مع إطلالة رأس السنة، ويكاد لبنان يخسر المال ورأس المال ورأس الدولة، بفضل فقدان كل ما يجب أن يتحلى به الرأس من مجموعة الرؤوس الحاكمة في لبنان.
هكذا تتبعثر الملايين المسلوبة من جيوب اللبنانيين فوق الطاولات الخضر، ونحن لا نزال نحلم بلبنان الأخضر على أيدي المقامرين، وسط ربيع راحت النار الملتهبة تتسرب منه الى ما عندنا من أخضر ومن روض وعشب وخصب.
لعل الذنب يقع على رأس السنة الجديدة التي تفتح الشهيات والقابليات لاختبار الحظوظ طمعاً بالمزيد من الكسب، إلا أن الحظ الوطني لم يكن يوماً مرهوناً بمن يقامرون بالمال الحرام في باريس بل بمن يقامرون بأرواحهم فـي لبنان.