IMLebanon

2015 سَنة الحوار والإنتظار

الحوار الذي انطلقَ بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» في عين التينة برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برّي، قام حتى الآن بوظيفته. جلسةٌ واحدة بين الخصمين الأبرز على الساحة كانت كفيلة بإشاعة أجواء ومناخات مريحة في البلد، فدخَلنا أيام الأعياد بشيء من الاطمئنان والهدوء، على وعدٍ بأن يكون «التواصل الإيجابي» عنوان السنة المقبلة.

لا أحد يُعلّق آمالاً استثنائية على لقاءات «المستقبل» و«حزب الله». الطرفان ذهبَا إلى عين التينة بأقلّ مقدار من التوقّعات، وبرزَت رغبة واضحة في إنجاح هذا التواصل من خلال استبعاد القضايا المعقّدة وتلك الخلافية التي لا قدرة للطرفين على مناقشتها الآن.

سقفُ الطموحات عند الطرفين بدا منخفضاً واقتصرَ على التقاطع في الحفاظ على الاستقرار وحماية السِلم الأهلي ودعم الجيش والمؤسسات الأمنية. الجلسة الأولى مرَّت كما كان متوقّعاً، وفي الأجواء العامة حيال التعاطي داخل قاعة «الحوار»، كان الوفدان جدّيَين في «كسر الجليد» وتنفيس الاحتقان والتحضير لجولات جديدة من المتوقّع أن تطولَ وتمتدّ حتى حدوث استحقاقِِ ما، أو حدَثِِ كبير يُغيّر الواقعَ الخارجي ويعكس نفسَه على الواقع الداخلي.

وفدُ «المستقبل» كان محاوراً حقيقياً: نادر الحريري بدا «عاقلاً وحكيماً»، سمير الجسر مستمعاً، أمّا الوزير نهاد المشنوق فثابرَ على منطقِه الحواري الذي كان قد بدأه منذ تأليف الحكومة. أمّا وفد «حزب الله» فقد التزمَ خطّة إنجاح الجلسة، كما «كان مرسوماً لها»، سلامات وتحيّات، ثمّ تبادل أوراق العمل، ثمّ العشاء وما يمكن أن يتضمّنه من استرخاء وكلام سياسي على شكل دعابات ومزاح، ثمّ موعد جديد وجولة حوارية جديدة.

من المتوقّع أن ينسحبَ الأداءُ نفسُه في الجولات المقبلة، وستظلّ المداولات سرّية بلا تسريبات قد تُعكّر صفوَ قاعة التحاور. وعليه ستبدأ سنة 2015 بصفتِها «سنة الحوار»، ولا شيء يمنع من أن تستمرّ تحت هذا العنوان إذا بقيَت الوقائع والظروف وموازين القوى المحَلّية والخارجية على ما هي عليه. القرار الدولي – الإقليمي بمنعِ السقوط واضح، كان مسموحاً استخدام البلد للضغط والإحراج وإرسال الرسائل السياسية، ولكنّ لبنان لا يتحمّل حتى الضغوط، وكاد ينفجر قبيلَ تأليف حكومة «المصلحة الوطنية» بالشكل الذي جاءَت عليه.

ربّما من المفيد التذكير بأنّ أولوية الحكومة عندما تألّفَت كانت تتمثّل في إيلاء الشأن الأمني الأولوية القصوى، ومنع العمليات الإرهابية، وتنفيذ الخطة الأمنية على مساحة لبنان، إضافةً إلى تحضير الأرضية السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية. والحال هذه، فقد نجحَت الحكومة بمختلف مكوّناتها في الحدّ من المخاطر الأمنية، وتنفيذ الخطة الأمنية في نطاق واسع، وفشلَت في ملفّات كثيرة أبرزُها الدفع نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

طرَفا الحوار شركاء في الحكومة، والفشل في هذا الملف يطاولهما، ولذلك يظلّ بند «رئاسة الجمهورية»، البند الأبرز في الحوار، وعليه تنعقد الآمال على رغم معوقات وتعقيدات كثيرة في شأنه.

ليس ضرورياً أن يُثمر الحوار سريعاً في بند «رئاسة الجمهورية»، والجميع يعلمون «للأسف» أنّ هذا الملف أصبح من أوراق النزاع والتفاوض الخارجي، وفقدَ اللبنانيون دورَهم فيه، لكن سيأتي يوم تتّفق فيه الدوَل المهتمّة بالشأن اللبناني، وسيجد اللبنانيون أنفسَهم مضطرّين للتعامل مع الواقع الجديد، وعليه تكون وظيفة الحوار خلقُ أرضية وأجواء داخلية في وسعِها مواكبة التطوّرات الخارجية بدلاً من الالتحاق بها التحاقاً بلا أثر أو تأثير.

جميع الأطراف رحَّبوا ويرحّبون بالحوار لأنّهم يعرفون خطورة البدائل، وما يمكن أن ينتجَ عن تركِ البلد في الفوضى والصدام والفراغ، وقد نشهد انطلاقَ حوار مسيحي – مسيحي بدعم بكركي ومباركتِها، في موازاة حوار الحزب و»المستقبل»، ما يعني دخولَ لبنان في «حقبة حوارية»، من شأنها استقبال السَنة الجديدة بشيء من التفاؤل والخطط الإيجابية لمستقبلٍ يبدو مظلماً في الإقليم كلّه.