IMLebanon

2016: لبنان يسعى لخلاصه بأية وسيلة

منذ ما يناهز السنتين، والبلاد تسعى جاهدة وبكل الوسائل الممكنة إلى ان تستعيد رئاسة الجمهورية، رأسها وقدرتها على لملمة أوضاع البلاد المتلاشية، وحماية مواطنيها من شتى أنواع الأخطار والأضرار.

منذ ما يناهز السنتين، والرئاسة تشكو من ممانعة الممانعين وانتظار القرارات الداخلية والخارجية المترابطة والمتشابكة والمتربصة بالعالم العربي كله، والمتصارعة حالياً مع شعوبه العربية بأسرها وفي طليعتها شعوب سبق أن أطلق الملك عبدالله الثاني، تسمية الهلال الشيعي على امتدادها الجغرافي والسياسي، وهو الهلال الذي أصبح بعد جملة من التطورات الدراماتيكية التي توالت على المنطقة، إسماً بلا مسمّى، حيث طغت عليه مستجدات أحداث جسام بدأت بما أسمي بالربيع العربي، فتطور هذا الربيع إلى صيف لاهب ومشتعل، إلتهم في طليعة ما التهمه، تماسك المنطقة الهلالية وأزال عنها بعضاً من المطامع والمطامح والآثار السلبية، فإذا بالعراق يتراجع في نسبة الإمساك بخناقه بتوجيه أساسي وفاعل من الإمام السيستاني، وكنتيجة لحراك شعبي مؤلف من كل الطوائف والمذاهب، وإذا بالقيادات الفلسطينية بما فيها قادة فتح وحماس، تنأى بنفسها عن الإطباق الخانق على رقابها وتوجهاتها، وإذا بسوريا على حالها المفجع الذي باتت عليه، نتيجة لما يلحق بها من سياسة الإحتواء للنظام السوري المتداعي نحو الدمار والخراب وسحق الأرواح بأبشع الصور الحافلة بمعالم إرهاب حقيقي يكاد أن ينفرد بهمجية هي الأقسى والأشدّ بين أبشع مجازر الأمم في تاريخها الحديث، وهكذا كان من نصيب الشعب السوري المنكوب أنه كلّما لحقه مُعين للنظام على تجليس أوضاعه وإبقائه على قيد الحياة، كلّما جاءه من يتفوق عليه في جرائمه المرتكبة، فما كان أسوأ من الإيرانيين إلاّ من هبّوا لنجدتهم من الروس، الذين يتشاطرون ويتغولون في هذه الأيام على أطفال سوريا وكلّ معالم الحياة فيها، ووضعها الحالي هو المأساة عينها، تنصبّ عليها أهوال حطّت رحالها فوق أرضها وأرواح أبنائها وهدّمت بنيانها وحضارتها وتكاد أن تجعل من وجودها، أثراً بعد عين.

ونعود إلى بلدنا المنكوب، حيث يجري قلْبُ وجه لبنان بعيشه المشترك وحضارته المتقدمة ومجتمعاته المتميزة، رأساً على عقب، وها هم «القالبون» يقفون حتى الآن عائقا ثابتا متماديا يمنع اللبنانيين من تأمين رئاسة لبلادهم تستعيد لهم مؤسساتهم الدستورية، وتوازناتهم الحياتية والإقتصادية والمعيشية، وتعيدهم إلى مسيرة العيش الطبيعي.

وها هو الرئيس الحريري، يحاول بكثير من الجهد والمغامرة، كسر الحواجز والمطبات المنصوبة وصولاً إلى المحاولة الأخيرة التي أطلق بها إسم الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بعد أن قام هذا الأخير وعديدون سواه، بجس نبض حزب الله الذي لم يرفض بداية هذه التسمية إلاّ بعد أن برزت معالم الفرملة الإيرانية التي أرادت الإستمرار في تجميد الوضع اللبناني كلّه على حافة الهاوية، انتظارا لما سيتم من خلال تطورات أحداث المنطقة عموما، وأحداث سوريا واليمن بالتحديد لإدخال عنصر متقدم من عناصر المفاوضة التي تحفظ لإيران ما أمكن، من طموحاتها وتوقعاتها ومطامعها في هذا اللهب الكبير المندلع في شتى أنحاء المنطقة، وكعادة الإيرانيين، فهم بقيادتهم القائمة، يغلّبون اللغة الإيديولوجية الصلبة على لغة المنطق والدبلوماسية، وقد استفادوا من صلابة موقفهم وتراخي الموقف الغربي، والأميركي بالتحديد في قضية النووي الإيراني، الذي أدخل إلى الساحة الإيرانية جملة من الإيجابيات لمصلحة النظام، خاصة على الصعيد المالي والإقتصادي، ولكن أدخل إليه هذا الوضع، وفي الوقت نفسه، جملة من السلبيات التي ينتظر الكثيرون أن تجلب إليهم جملة من المتاعب الداخلية التي بدأت تظهر للعيان من خلال بروز فئات سياسية قديمة ومستجدة، لعل أبرز قديمها، رجل الدين والسياسة العتيق والمحنك هاشمي رفسنجاني، الذي يتحسب الوضع الثوري القائم من دور هام له في قلب او تعديل الأوضاع الإيرانية القائمة، إستنادا إلى انجازات التيار الشعبي الوسطي في الشأن النووي وآثاره الإقتصادية والسياسية على مجمل الوضع الإيراني بعد أن خفّت الحساسيات الشعبية المختلفة ضد «الشيطان الأكبر»، وبعد أن باتت قدرة الإيرانيين على الإستفادة الايجابية من تحسّن وضعية اقتصادهم، وبعد أن عادت مسألة الحريات المكبوتة تشكل لغة أساسية لدى المواطنين في حياتهم العامة، خاصة وأن النظام الحديدي القائم حاليا قد ارتكب جملة من الاخطاء والمظالم، ضاعفت في حجم الحساسيات والعداءات ضده، وبالرغم من التحسن الإقتصادي النسبي المنتظر بعد تحقق الإتفاق النووي، وما هو مرتقب من إيجابيات بعد مباشرة رفع العقوبات الإقتصادية عن إيران بصورة تدريجية بدءا من أوائل العام الجديد المقبل، فإن المواطن الإيراني العادي، لا يفهم إطلاقا كيف أن الثروة الإيرانية تتطاير حيثما كان، لأهداف ثورية تستهدف بالنتيجة إشعال الحروب في بلدان أخرى يتم تصدير الثورة إليها، وهو وإن كان على أبواب تحسن إقتصادي ما، الاّ أن إيران قد باتت نتيجة لحكم الملالي في وضع تنموي يرثى له ويحتاج إلى كثير من الجهد والرساميل والثروة المنتظرة والتي بات الشعب الايراني بكثير من شرائحه، يترقبها ويتلهف إليها ويتحفظ تجاهها أمام أي خلل لا يأخذ بالإعتبار ملاحظاته وآراءه، دون أن نغفل في هذا المجال تحركا حديثا لمجموعات من مكّونات الشعب الإيراني العنصرية والمذهبية ومطالباتها القديمة-الحديثة، بحرياتها، وبتحقيق حكم ذاتي لها،وصولا في ذلك إلى مطالب إنفصالية باتت تطفو على بعض الساحات.

بالتالي: ما يهمنا من كل ذلك مرتبط بالتساؤل عن آثار الوضع الإيراني على لبنان سواء خلال أوضاع الحكم الإيراني القائم، أو في حال تغير الوضع فيه إلى حال تتماشى مع أحوال الدول الطبيعية من خلال انتماءاتها المختلفة إلى نظام ديمقراطي حقيقي وانتماء ثابت ومستقر إلى المجتمع الدولي وأنظمته ومتطلباته.

لكل من هذه الأوضاع المرتقبة، جوابه وتوقعاته، خاصة إذا ما كان للمستجدات المنتظرة على مستوى المنطقة، أثر ملموس على الأوضاع اللبنانية بما فيها أحوال حزب الله صعودا أو هبوطا، وخاصة كذلك إذا ما ازدادت الضغوط الإقليمية والدولية باتجاه تسويات ما للأوضاع اللبنانية، تزيل أو تخفف من آثار الفيتو الملقى على الأوضاع اللبنانية عموما، فارضاً عليها التجميد المطلق والفراغ المستمر الذي يتماشى مع رغبات إيران ومصالح الجهات التي تواكب سياساتها في لبنان.

أيام، ويطل عام جديد، مع توقعات جديدة، بعضها مجرد توقعات وآمال وتمنيات، وبعضها حقائق ووقائع صعبة وقاسية، وإلى جانب قولنا للجميع: كل عام وانتم بخير، نرغب في أن نضيف باسم الجميع، رغبة الجميع، في أن يهَبَ العام 2016 الخير للبنان بأي ثمن وأية وسيلة، لأن هذا البلد قد ضاق بمعاناته إلى حد لم يعد مقبولا ولا محتملا، وهو يريد الإنقاذ والخلاص في كل أحواله ومواقعه، خاصة وأن ما بات ينتظره من مخاطر واحتمالات ستدفع به إلى صلب لهيب المنطقة، مما يوجب عليه وعلى أبنائه جميعا، سعيا حثيثا نحو ردع النيران من أن تصل أكثر فأكثر إلى أعماق مكوناته.