Site icon IMLebanon

أرقام 2016 تقول ما يكفي لمعرفة «إتجاه الريح»

في حسابات تراكمية، نجح الاقتصاد اللبناني خلال سنة من الآن، في توفير مبالغ طائلة كانت ستُرهق خزينته لو لم تنخفض اسعار النفط . لكن التوقعات لسنة تراكمية أخرى (حتى آب 2017)، تدل على أن الوضع سيكون مختلفاً، وقد حلّ موعد تحمّل سلبيات تراجع النفط، بعدما نَعِم اللبنانيون بايجابياته.

وفق أرقام غير مُدقّقة، استطاعت الخزينة ان توفّر حوالى مليار دولار سنوياً في الفاتورة النفطية، نتيجة تراجُع أسعار النفط عالمياً بمستويات قياسية وصلت الى نسبة 250 في المئة. وتراجع العجز المالي في الكهرباء، القطاع الذي كان يزيد عجز الموازنة سنوياً بحوالي مليار ونصف مليار دولار، من دون القدرة على تحسين التغذية بالتيار.

في المقابل، زادت القدرة الشرائية للمواطن، من خلال احتساب مصروف فاتورة المحروقات على أساس الحد الأدنى للأجور (حوالي 450 دولارا شهرياً) بحوالي 15 في المئة، وهي نسبة مرتفعة كان يمكن أن تساهم في تحريك الدورة الاقتصادية، لو لم تكن الظروف معقدة الى الدرجة التي بلغتها اليوم.

ومن خلال احتساب نسب استهلاك الفاتورة النفطية للدخل الفردي، يتبين انها كانت تستحوذ، قبل انخفاض اسعار النفط، على حوالي 40 في المئة من الدخل. (بنزين، فاتورة مولد الكهرباء، تدفئة واستخدام منزلي…) بعد تراجع الاسعار الى المستويات الحالية، صارت فاتورة المحروقات تستهلك حوالي 25 في المئة.

في علم الاقتصاد، هذا الوَفر الذي يصل الى حوالي 800 مليون دولار سنوياً، يُفترض انه دخل الى الدورة الاقتصادية الداخلية، وساهم في إنعاشها. ومن البديهي ان هذا الوِفر لم يدخل الى صناديق المصارف للتكديس، لأنه في القسم الأكبر منه جرى استخدامه للاستهلاك. لكن المفارقة هنا، ان الحركة التجارية التي تعكس القدرات الشرائية للمواطن سجلت تراجعا مقلقاً.

وتشير أرقام الاعتمادات المستندية المفتوحة للاستيراد، الى تراجُع الحركة منذ سنة حتى الان، بنسبة 18,48 في المئة، وهي نسبة مرتفعة جداً، خصوصا مع احتساب مبلغ الـ800 مليون الاضافي الذي صُرف في الاستهلاك. وهذا يعني أن الاستهلاك تراجع نظرياً اكثر من 25 في المئة، وما ساعد على خفض هذه النسبة قليلا، هو ارتفاع القدرة الشرائية على مقياس الحد الادنى للأجور.

هذا الوضع المقلق، سوف يتظهّر أكثر في خلال سنة، اذ بدأت عوارض انعكاسات تراجع أسعار النفط تتضح تباعاً، وهي ستكون أشد قساوة في الفترات المقبلة، حيث سيزداد الضغط الوظيفي على القوى اللبنانية العاملة في الخليج، سواء من حيث خفض المداخيل أو التقديمات الاضافية التي كانت تسمح بوفر مالي يتمّ تحويله الى لبنان، أو من خلال التخلّي عن قسم من القوى العاملة.

وسيضطر البعض الى البحث على فرص بديلة في الخليج لكن بشروط مالية أصعب، وسيعمد قسم آخر الى العودة الى لبنان، وستختار نسبة قليلة البحث عن فرص خارج منطقة الخليج. هذا الواقع الذي ظهرت بوادره بوضوح حتى الان، سوف يزيد من مستويات الضغط الذي يواجهه الاقتصاد اللبناني.

ولن تكون التأثيرات محصورة بارتفاع اضافي في نسب البطالة، أو بتراجع مداخيل الفرد، بل أيضا ستنعكس بوضوح على حجم الاموال المحوّلة الى المصارف الملتزمة تمويل الدولة اللبنانية حتى الان بكلفة مالية منخفضة، قياسا بالتصنيف السيادي للبلد.

ومن خلال مراجعة أرقام نتائج الحركة المالية للمصارف، نلاحظ ان العجز في الموجودات الأجنبية تراجع بحوالي مليار و700 مليون دولار في النصف الاول من 2016، في حين سجلت احتياطات مصرف لبنان من العملات تراجعاً بحوالي ملياري دولار على أساس سنة تراكمية.

هذه الأرقام، لم تصل الى مستويات الخطر الداهم، لكنها تتجه نحو الخط الأحمر، بما يعني ان المرحلة المقبلة ستكون أصعب مالياً واقتصادياً، خصوصا اذا كانت مؤشرات السياسة باقية كما هي اليوم.