يطوي لبنان بعد أيام صفحات العام الحالي، ويفتح صفحة جديدة من دون ان يشعر اي من اللبنانيين بأن شيئا تغير أو في طريقه الى أن يتغير. فلا ما سمي بـ”المبادرة الرئاسية” لانتخاب النائب سليمان فرنجيه التي قادها الرئيس سعد الحريري اجتازت الاختبار الصعب لمعركة “الفيتوات” التي تقفل ابواب مجلس النواب قسرا منذ أكثر من سبعة عشر شهرا، ولا الحكومة التي شكلت تحت عنوان فصل اليومي والمعيشي عن الخلافات الكبرى التي تقسم البلاد استطاعت ان تترك بصمات ايجابية عبر العمل والانجاز، ولا مجلس النواب الذي يدار باستمرار بنفس انقلابي منهجي تمكن من ان يفرض نفسه مرجعية لفرض احترام الدستور والقوانين، فبقي اسير تعطيل دائم. حتى الحراك المدني الذي لاقى في لحظة ذروة المزاج الشعبي العام الغاضب من سوء الادارة، والفساد، وانهيار منظومة القيم العامة اخترق الجدران العالية المنصوبة في وجه حقوق المواطن، فسقط في الميدان بعدما خرج من وجدان الناس كجمعيات وتجمعات!
مرت السنة ولم يتغير شيء، وها هي السنة الجديدة تطل بعد أيام من دون أن يشعر اللبنانيون بأن شيئا سيتغير في حياتهم اليومية أو السياسية. فالازمة الاقتصادية حقيقة قائمة، وتصيب جميع القطاعات الانتاجية، والخدمات الى مزيد من التردي، ومؤسسات الدولة من وهن الى اهتراء، والقانون نص موضوع في الادراج. ومن هنا شعور عام بأن لبنان يدخل عاما جديدا شبيها بالاعوام التي مضت، وانه مستتبع لازمات المنطقة ولشبق القيادات بالسلطة المحلية والمكاسب الآنية والتوريث، فيما تشهد البلاد تأخرا مطردا على مختلف الصعد. فلبنان لا يختصر ببضع عشرات من المؤسسات السياحية من فنادق ومطاعم ومرابع، كما أن شعبه الحقيقي لا يختصر ببضعة آلاف من الميسورين والقادرين ماديا، فيما الاقتصاد متوقف كما أسلفنا، وملايين اللبنانيين يكافحون يوميا سعيا وراء لقمة العيش، وهم مقيمون على تخوم خط الفقر.
تنتهي السنة، ونحن ندرك أن انتخاب رئيس جديد من دون الذهاب الى عمق الازمة اللبنانية بوجوهها كافة لن يغير شيئا. وفي هذه الحالة يكون الرئيس القوي مثل الرئيس الضعيف، كلاهما هامشيان في المعطى المؤثر على مصير الكيان اللبناني.
انظروا ما يحصل حولنا: سوريا التي تحترق، وهي مرشحة لمزيد من حمامات الدم المتنقلة، انتهت لعقود مقبلة. والعراق المتقاتل عاجز عن المصالحة الداخلية التي توقف النزف المخيف. وملايين اللاجئين ينتشرون هنا وهناك. لم يحصل أن شهد المشرق العربي منذ أكثر من خمسمئة عام حالا كالحال التي نشهدها راهنا. عصر انحطاط جديد نعيشه، والحق اننا كنا دخلناه غداة سقوط فلسطين، ونشوء الانظمة التوتاليتارية العسكرية العربية.
في لبنان نطوي سنة ونفتح صفحة السنة الجديدة بأمل ضعيف في أن يتغير شيء على الاطلاق. عناصر ازمتنا العميقة ومكوناتها لم تتغير، فأين نجد التفاؤل؟
أزمتنا أكبر من رئيس، وأكبر من حكومة، وأكبر من مجلس نواب. نحن في الازمة ما دمنا لا نواجه الحقائق المرة ونتصدى لها بشجاعة لنصنع التغيير.