صحيح ان الانتخابات البلدية فتحت الباب لتزخيم المطالبة بإجراء الانتخابات النيابية في اسرع وقت، ولكنها لم تؤد لغاية الان الى بت قانون انتخاب جديد يتفق عليه الجميع، على قاعدة الموازنة بين ضرورة تحديث القانون لتأمين اكبر قدر من حسن التمثيل ودقة الحفاظ على توازنات تتعدى الاطار الطائفي او المناطقي الخاص لتتصل بتوازن وطني يحمي البلاد من غلبة فئة على فئة! بمعنى ادق يتم طرح قانون انتخاب يشتمل على النظام النسبي تحت عنوان تأمين حسن التمثيل النيابي، و في المقابل تطرح اشكالية لم تطرح في الانتخابات البلدية لكونها محلية الطابع، الا وهي التوازن الدقيق القائم بين خيارين سياسيين كبيرين في البلد يتصارعان حينا، و يتهادنان حينا آخر!
و يمكن ادراج ولادة حكومة تمام سلام في هذا الاطار، حيث انها تمثل تقاطعا لمصالح فريقين متعارضين في الجوهر. ولكنه تقاطع مصالح موقت.
جميع القوى الاساسية تعلن تأييدها لقانون انتخابي يتضمن نظام التصويت النسبي، وصولا الى ذهاب البعض (“حزب الله”) الى حد الاعلان عن تأييده نظاما نسبيا بدائرة واحدة على كامل لبنان! ولكن شتان ما بين المعلن والمضمر. ومتى تمعن المراقب قليلا في قراءة الخريطة السياسية الجديدة التي نتجت عن خلط الاوراق الرئاسية (مسيحيا)، و نشوء مزاج شعبي مستجد اثر انفجار فضيحة النفايات، يستشف ان معظم القوى السياسية قد تكتشف سريعا ان من مصلحتها التظاهر بالسعي الجدي لإقرار قانون انتخاب جديد يخلط بين النظامين الاكثري و النسبي، والعمل ضمنا وبـ”تقية” للابقاء على قانون بنظام اكثري، الا وهو القانون الحالي الذي قد يعود الجميع الى الالتقاء حوله.
بالامس طرح الرئيس نبيه بري مجموعة افكار لانتخابات متتابعة نيابية اولا ورئاسية ثانيا على ان يتم تقصير ولاية المجلس الحالي، والذهاب الى صناديق الاقتراع وفق القانون الذي يكون جرى الاتفاق عليه، وفي حال العكس تحصل الانتخابات بالقانون الحالي! ويبدو ان معظم القوى السياسية بما فيها التي تجاهر بالصوت العالي برفض قانون ١٩٦٠، ما عادت في هذه المرحلة ترى مشكلة في اجراء انتخابات وفق القانون الحالي! ولكل من القوى المقررة داخل مجلس نواب الحالي اسبابها وحساباتها التي يبدو انها تقترب من نقطة التقاطع حول قانون ١٩٦٠.
ان المراقب بدقة وبرودة لا يسعه سوى ان يتوقع تتابع فصول مسرحية الهاء الناس بالعمل الجدي لإقرار قانون يتضمن النسبية، وصولا الى لحظة اعلان فشل التوصل الى اتفاق لإقرار قانون جديد، فيعاد انعاش القانون الحالي للانتخابات المقبلة في سنة ٢٠١٧… ومن هنا السؤال: بين تمديد ثالث لولاية مجلس النواب او انتخابات بقانون ١٩٦٠، اي من الشرين نختار؟