IMLebanon

2017 نهاية سورية الموحدة؟

غا لن تنتهي أزمة سورية بسقوط بشار الأسد ولا القضاء على المعارضة. الإمكانات والنيات تجاوزت هذين الأمرين، وسورية هي أقرب الى السقوط والإنتهاء، وهذا يبدو أقصى الممكن والمتاح. تبقى كيفية تخريجه للواقع ورسم حدوده ومكوناته.

ثمّة مؤشرات عديدة تؤكد أن البيئة الدولية لم تعد تحتمل استمرار الصراع في سورية، وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب صراحة عن هذا التطور، فالصراع السوري، وفق الإدراك الأميركي الجديد، بات مغذياً لكل الأخطار التي تمس الأمن القومي الأميركي، ولم يعد في الإمكان قبول استمراره، على الأقل بشكله ومخرجاته الحالية، فإن يكن ثمة مخرج فإنه يتوجب إعادة صياغة الصراع على أسس جديدة، وأول وأهم تلك الأسس ضبط فائض تداعيات الصراع على البيئتين الإقليمية والدولية، وبخاصة تلك التي تشكل فضاء المصالح الأمنية الأميركية.

في المقابل، روسيا غير معنية لا بالتصورات الأميركية ولا بحساسيتها الأمنية الطارئة تجاه الوضع السوري، ذلك أن لموسكو حسابات معقدة ومتشابكة وتندمج سورية ضمن جملة المصالح الروسية، حتى أن تلك التداعيات المشكو منها أميركياً تمثل مصالح روسية حقيقية، وعلى عكس ما يشاع في كثير من التحليلات الغربية والعربية من أن روسيا لا تتمسك بشخص بشار الأسد، فإن الأسد بالنسبة الى موسكو ركيزة يستحيل التخلي عنها كما أن روسيا لم تفكر حتى بصناعة مراكز قوى أو دعم شخصيات غير بشار الأسد والذين تضمن ولاءهم له بدرجة كبيرة.

أمام هذه الانسدادات لا تملك أميركا وروسيا مخارج ممكنة للصراع ولا احتمالات للتوافق على تسويات مستدامة، ويجمع الطرفين الحذر من الاستنزاف والغرق في ما يسميانه المستنقع السوري، وبالتالي فهما ستذهبان الى أكثر الخيارت فائدة وأقلها ضرراً عليهما، وهذا يقلّص مساحة الخيارات الممكنة للحل في سورية ويحصرها في أطر ضيقة تقع بين التقسيم المباشر وفق صيغة قريبة من «سايكس بيكو»، أو تقسيم واقعي يمهد لتقسيم فعلي.

لا تريد روسيا من المفاوضات التي تديرها في جنيف وآستانة وحدة سورية ولا السيطرة على كامل التراب السوري. هذا هدف تدرك من خلال معاينتها للمجريات والتطورات استحالة تحقيقه. هي تريد إضعاف الطرف الآخر الى أبعد حد سواء بإثارة الفتنة أو بالاستفادة مما تدّعيه شرعية الأسد أو استثمار المناخ الدولي الداعم للحرب على الإرهاب، وحتى عندما تعلن مشروعها الانفصالي تكون ارتاحت تماماً من الخصم السنّي.

من غير المستبعد أن روسيا تخطّط للقضاء على الأكثرية في سورية، على رغم انه مشروع غير عقلاني، إلا أن دعمها عمليات التهجير الطائفي تكشف إلى حد بعيد مخططاً يقوم على مراحل، إذ يتم في مرحلة أولى استبعاد الجزء الفاعل من الأكثرية والممثل بالمقاتلين عبر نفيهم إلى إدلب لوضعهم لاحقاً أمام خيارين: القضاء عليهم، أو دفعهم للهرب إلى تركيا والتسرب إلى أوروبا، وفي مرحلة ثانية يتم تهجير مجتمعاتهم المحلية التي ستكون مكشوفة وضعيفة أمام ميليشيات إيران والأسد.

يسير بشار الأسد، من جهته، على الهدف نفسه ويستثمر سلطته لاستكمال عمليات التهجير الطائفي وتشريد السوريين وتدمير مدنهم لضمان بقائهم نازفين لسنوات طويلة، وفي حين يدّعي الأسد رغبته في استعادة وحدة سورية والسيطرة على كل شبر فيها، فإن الوقائع تؤكد أن هدفه الحقيقي يتمثّل بتدمير أكبر قدر ممكن من العمران والنسيج الاجتماعي لدى الأكثرية.

وتستثمر إيران من جهتها، الوقت لتثبيت مناطق سيطرتها في سورية، وعملت على سيناريوين: الأول تأمين طريق مباشر من إيران إلى ديالى في العراق مروراً بالشرق السوري إلى البحر المتوسط، وهو ما يبدو أن إدارة ترامب تنبهت له وتعمل على تقطيع أوصاله، والسيناريو الثاني خلق جيب شيعي من دمشق وريفها يرتبط بشرق لبنان ويديره «حزب الله» وتكون قناة اتصاله مع طهران عبر مطار دمشق.

لا تستطيع إدارة ترامب السيطرة على كل هذه الوقائع ولا ضبط تفاعلاتها. ذلك يحتاج موارد وإمكانات لا قدرة لأميركا المشغولة على جبهات عديدة على توفيرها في الوقت الحالي، كما أن تأثيرات إستراتيجيتها السورية ستكون ضعيفة إلى حد ما وستلقى مقاومة من أطراف أسست لها وجوداً قوياً وتموضعاً مديداً، واستتباعاً فإن السيناريوات المحتملة للفعل الأميركي تنحصر في: أ- إغراء روسيا بشراكة على مستوى إدارة نظام عالمي جديد، وهو الطرح الذي حمله وزير الخارجية الأميركي ريكس تيرلسون إلى موسكو بدعم من السبع الكبار، لكن المشكلة أن روسيا لا تثق إلا بما تحصّله بقوّة جيوشها ودهاء دبلوماسيتها، ب – جعل الوجود الروسي في سورية أكثر كلفة من خلال دعم المعارضة بأنواع من الأسلحة تغير التوازنات الحالية، لكن لا يبدو أن إدارة ترامب تخلصت من شكوكها تجاه الكثير من الفصائل، ج – القيام بإجراءات أحادية الجانب، مثل إقامة مناطق آمنة في الشمال والجنوب، وهو الخيار الأكثر واقعية كونه أقل تكلفة وأكثر إمكانية.

لا معطيات الواقع السوري، ولا سلوكيات الفاعلين الأساسيين تشير إلى إمكان الوصول إلى حل سوري يضمن عودة البلاد موحدة، وكل ما يجري في هذا النطاق يؤكد ذهاب سورية صوب التقسيم، ويبقى موعد إعلان هذا الحدث.