IMLebanon

2017 : عام التحوّل في المعتقد والسياسة والإقتصاد

 

زخر العام 2017 بمتغيّرات عديدة على مساحة المشرق العربي، لدرجة يصح القول معها أنّ هناك مشرقاً قيد التأسيس بمفاهيم جديدة وقضايا وتحديات مختلفة في السياسة والإقتصاد والأمن والمعتقد. كٌسرت خلال العام مسلّمات كانت سبباً في العديد من الصراعات. الإثنيات والقوميات التي اعتبُرت أساساً في بناء وتفكك المجتمعات والتي صيغت على أساسها استراتيجيات الدول الكبرى للعبث باستقرار الدول وتفكيكها الى دويلات طائفية وعرقية فقدت صلاحيتها.

أسقط العام 2017 حلم تأسيس دول قومية. آخر النماذج كانت تلك التي نشأت على أنقاض الإتّحاد اليوغوسلافي ودولة جنوب السودان المتعثّرة. إقليم كردستان العراق وبرغم الإستفتاء الذي عبّر عن رغبة الأكثرية الساحقة من سكانه بالإستقلال، لم يستطع الخروج من عنق زجاجة الدولة الإتّحادية التي أقرّها الدستور العراقي. ترجّل مسعود البرزاني عن صهوة مشروعه الإستقلالي منهياً بهدوء مشواره السياسي، وتمدّد الجيش العراقي الى كلّ المرافق الحدودية والإقتصادية التي اعتقدها الأكراد حتى الأمس القريب حقوقاً مكتسبة غير قابلة للمسّ. سقطت الأحلام الإستقلالية بالرغم من المشاركات الميدانية للبشمركة في مكافحة الإرهاب تحت مظلة التحالف الدولي. يُعلن سقوط مشروع استقلال كردستان العراق بكل وضوح سقوط مفهوم الأقلية العرقيّة كمكوّن سياسي.

أسقط العام 2017 مشروع الدولة الإسلامية مع الإنهيارات المتتالية لتنظيم الدولة الذي يلفظ الآن أنفاسه الأخيرة في دير الزور، وبعد استعادة الدولة العراقية لمدينة الموصل في شهر تموز/يوليو مروراً بالحويجة والجرود اللبنانية السورية وحتى سقوط الرقة في شهر أكتوبر الحالي. سبق سقوط الدولة الإسلامية قمّم الرياض التي عُقدت في 20-21 أيار/مايو المنصرم والتي وضعت حداً لتمويل واستخدام المجموعات الدينية المتطرفة. صدقيّة مقررات قمّم الرياض تستند الى ما تمثّله المملكة العربية السعودية من مرجعية في العالم الإسلامي والى انقلاب الموقف الأميركي حيال هذه الجماعات بفرعيها السني والشيعي. سبق سقوط مشروع الدولة الإسلامية على مستوى قُطري، إذا صحّ التعبير، سقوط هذا المشروع ببعده العالمي بعد سقوط مشروع الإخوان المسلمين في كلّ من مصر وتركيا، وسقوط النسخة العثمانية منه مع تطويق وسقوط مشروع رجب الطيب أردوغان في الشمال السوري. الدور الحديث للمملكة السعودية المتجاوز للتقليديات التاريخية سمح بإرساء أسّس لعلاقات جديّة مع روسيا المتحررة من عقد سقوط جدار برلين.

مع مشروع مدينة المستقبل “NEOM” الذي أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 24 تشرين الأول/أكتوبر كأول مدينة رأسمالية في العالم لا تتّبع القواعد المالية المعمول ولا تطبّق أحكام الشريعة الإسلامية يكتمل سقوط الاسلام السياسي بشقّه الإقتصادي. المدينة الجديدة التي تمتد على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع داخل الحدود المصرية والأردنية، وتجاور البحر الأحمر وخليج العقبة، وتُستثمر في قطاعات الطاقة المتجدّدة والتكنولوجيا الحيوية والصناعات المتقدّمة والإعلام والترفيه هي مساحة رحبة لعولمة عربية قاعدتها إقتصادية. المدينة الجديدة ستوفّر لسكانها نمطاً حياتياً أكثر تحرراً وستفرض تغييرات في التعليم على حساب الشطط الفكري المتشدّد والمحافظ في العالمين العربي والإسلامي.

أسقط العام 2017 الإستخدام الإيراني المتغوّل للمجال العربي  نجاح الرعاية المصرية في تثبيت المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس في 3 أكتوبر الفائت وعودة الحكومة الى غزة لاستلام مهامها أعاد التوازن الى الساحة العربية وأعاد الإعتبار الى مفهوم الأمن الإقليمي بنسخته العربية. استنساخ التجربة الإيرانية في الجنوب اللبناني ونقلها الى الجولان السوري أفشلته موسكو في مؤتمر آستانة عبر تثبيت ما اتّفق على تسميّته بمنطقة خفض التوتر في جنوب غرب سوريا. مؤتمرات آستانة بنُسخها السبع التي رعتها موسكو على امتداد العام شتتت الجهد الإيراني وأفرغت التحالف الاستراتيجي الإيراني السوري من مضمونه لصالح رعاة إقليميين يستظلّون موسكو بصرف النظر عن الشراكة اللفظية الإيرانية التركية للقاءات آستانة. القمّة السعودية العراقية برعاية أميركية التي عُقدت في 22 اكتوبر عبّدت الطريق لتعاون أمني إقتصادي بين الدولتين بعد مبادرات إعادة فتح المعابر البريّة التي أُقفلت منذ الحرب العراقية على الكويت، هذا بالإضافة الى الإصرار على استمرار القتال في اليمن في مواجهة العبث بالمكوّنات الطائفية.

يستعدّ المشرق العربي لولوج عهد جديد في السياسة والإقتصاد والأمن والمعتقد. يكمن التّحدي في الملاءمة مع منظومة مفاهيم جديدة تغيب عنها المرجعيات الدينية بنُسخها المتعددة ويغيب عنها مفهوم الأقليات الإثنية كمنطلق للحقوق السياسية وكموجب للحماية، لصالح مفاهيم الأكثريات والأقليات السياسية، ويغيب عنه الإقتصاد الريعي المستند الى الشريعة لصالح اقتصاد شفاف قادرعلى الإندماج والمنافسة، ويقدّم الإسلام نفسه بنسخة جديدة قادرة على تجاوز أزماته الموروثة.

يشكّل العام 2017 نقطة تحوّل في صياغة مستقبل دول المشرق العربي ومن بينها لبنان. المفارقة الغريبة تكمن في محاولة الدول المثّقلة بأدوار دينية النجاح في تجاوز الذات الثقافية الموروثة في مقابل استسلام الدول المتعدّدة الثقافات لمشاريع الأقليات الدينية وعدم قدرتها على الخروج من دوامة التخلف!!!!

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات