Site icon IMLebanon

2017: إخفاقات الحكومة «فاضت»… وانتهى العام بـ«البحث» عن رئيسها

 

ساعات وتطوي روزنامة عام 2017 آخرَ أيامها لتطلَّ سنةٌ جديدة مليئة بالتّحديات. فغالبية الملفات التي فُتحت هذه السنة أو تلك التي أورثتها إيّاها السنوات الماضية ما زالت تستنزف قدرات اللبنانيّين، حتى إنّ مَن يعتقد أنّ الأزمة الحكومية الأخيرة قد طُويت هو مخطئ لأنّ تردّداتها السياسية مستمرّة وستحكم الإستحقاقات المقبلة. وعليه كيف يمكن الفرز بين إنجازاتها وإخفاقاتها؟

ليس صَعباً إجراءُ جردة شبه شاملة بإنجازات الحكومة وإخفاقاتها بعد مرور سنةٍ وأحدَ عشرَ يوماً على تشكيلها في 18 كانون الأول 2016، وسنةٍ ويومٍ واحد على نيلها ثقة مجلس النواب في 28 كانون الأول من العام عينه، بغالبية 87 نائباً من أصل 92 حضروا الجلسة، فيما رفض 4 نواب منحها الثقة وامتنع نائب واحد، في ظلّ غياب 34 نائباً.

وقد كان طبيعياً أن يعطي الزخم الذي ولده انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، الحكومة الجديدة اندفاعةً كبيرة قياساً على حجم التسوية التي قادت الى إنهاء الشغور الرئاسي.

وعلى وقع اعْتبار عون أنّ هذه الحكومة ليست حكومة العهد الأولى لأنّ هذا التوصيف لا يليق إلّا بالحكومة التي ستُشكَّل عقب إجراء الإنتخابات النيابية التي كانت على الأبواب، فقد سجّلت «الصدمة» الأولى للعهد والحكومة معاً بفشل المجلس النيابي في التوصّل الى قانون جديد للإنتخاب، وتلتها «السقطة» الثانية للحكومة التي اختارت «استعادة الثقة» عنواناً لبيانها الوزاري، فكان التمديد الثالث لمجلس النواب عندما توافقت الحكومة والمجلس النيابي على تبنّي اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من النائب نقولا فتوش والذي رمى الى تمديد ثالث للسلطة التشريعية لسنة واحدة وبمادة وحيدة استناداً الى ما سُمّي بـ«الظروف الاستثنائية… وتحاشياً للفراغ في المؤسسة الدستورية»، ولفترة تكمل الولاية الثانية للمجلس الممدّد له مرتين حتى 20 حزيران 2018.

وقبل التمديد كانت الحكومة قد نشطت لإقرار الموازنة العامة المفقودة منذ العام 2005 ولوقف الصرف العشوائي غير المنضبط على أساس القاعدة الإثنتي عشرية، فأقرّ مجلس الوزراء في 3 آذار بنود موازنة 2017 بخطوطها العريضة باستثناء المتعلّق منها بسلسلة الرتب والرواتب، كما استعجل التعيينات القضائية قبل التشكيلات والمناقلات التي أُنجزت لاحقاً، وأقرّ التعيينات العسكرية والأمنية في 8 آذار، فعيّن العماد جوزف عون قائداً للجيش، اللواء طوني صليبا مديراً عاماً لأمن الدولة، اللواء عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي وتمّ التجديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لولاية جديدة.

وعليه، فقد شهد شهر آذار بداية الحركة المطلبية في مواجهة البحث بسلة الضرائب والرسوم الجديدة بحجة تمويل السلسلة المنتظرة، فتحرّكت الأسلاك الإدارية والقضائية والتربوية وقُطعت الطرق في وسط بيروت وأُقفلت المدارس والوزارات والمؤسسات العامة رفضاً لسياسة الضرائب الإضافية ودعماً لإقرار السلسلة في آن.

وأمام حجم الأزمة التي ولدتها الخلافات الحكومية والنيابية حول قانون الإنتخاب، فقد استخدم رئيس الجمهورية في 12 نيسان صلاحيّاته الدستورية بموجب نصّ المادة 59 من الدستور وجمّد العمل شهراً في مجلس النواب إفساحاً في المجال لإقرار قانونٍ نسبيّ للانتخابات يتضمّن إصلاحاتٍ مختلفة.

لتعودَ الحكومة وتنجزَ قانون الإنتخاب بصيغته الهجينة، الغريبة والعجيبة والذي عدّ قانوناً فريداً من نوعه يؤكّد الخصوصيات اللبنانية وفرادتها بين الدول. لكن نتيجة غياب التوافق السياسي، سقطت الإصلاحات التي نصّ عليها القانون لجهة استخدام البطاقة البيومترية والإنتخاب في أماكن السكن ضمن مراكز إنتخابية كبرى مع تسجيل مسبَق.

ولاحقاً أنجزت الحكومة سلسلة الرتب والرواتب في 21 آب مرفقة بقانون الضرائب بعد أخذ وردّ استمرّ أشهراً، لكنها واجهت قرارَ المجلس الدستوري بالإجماع في 31 آب الماضي والذي قال بإبطال قانون الضرائب فعادت والتزمت ما فرضه القرار من دون المَسّ بشكل السلسلة ومضمونها وأبوابها ونسبها.

وما كان لافتاً أنه وعند تطبيق قانون السلسلة أقرّت الحكومة أكثر من صيغة أكّدت فوارق كبيرة بين موظّفيها، فالتزمت القانون في الإدارات العامة والوزارات ولم تطبّقه على موظفي المؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل والهيئات والإدارات المستقلّة وهو أمر لم تنتهِ منه بعد، وسترحل تداعياته الإدارية والمالية الخطيرة الى السنة المقبلة على وقع الإضرابات المفتوحة التي شلّت العديد من المؤسسات منذ أسبوعين، ولو لم تتوقّف فرق الكهرباء عن الصيانة وتصليح الأعطال وإدارة المعامل لما ناقشت الحكومة هذا الملف.

وفي الحديث عن إنجازت الحكومة ثمّة مَن يعتقد بأنّ حرمانَها من الإنجازات الأمنية والعسكرية أمرٌ مشروع، إذ لا يحق لها أن تتبنّى العمليات الإستباقية التي نفّذتها الأجهزة الأمنية والعسكرية في مواجهة الإرهاب التقليدي والتكفيريين والشبكات المتعاملة مع العدوّ الإسرائيلي والشبكات المنظّمة. فقلّما عرف بها وزير أو مسؤول غير أمني قبل وقوعها وغالب الأحيان عرفوا بها من خلال وسائل الإعلام.

وإن شاء بعض أهل الحكومة تبنّي عملية «فجر الجرود»، فكان الحري بها بعد فشلها باستعادة العسكريين المخطوفين أحياءً، أن تنجح على الأقل بتنظيم حفلِ انتصارٍ للجيش الذي أعلن عنه في وسط بيروت ولم تتمكّن من إقامته لأسباب معلومة – مجهولة يتصل معظمُها بتكوينها غير المنسجم مع انتصار الجيش على وقع التباهي بانتصارات «حزب الله» في عملية جرود عرسال، فاكتفت الحكومة بإعلان الإنتصار في 28 آب بإعلانه «يوماً لانتصار لبنان وتكريم الجيش والشهداء».

وما خلا الفرز السابق بين الإنتصارات والخيبات، فقد فشلت الحكومة في إقفال ملف النفايات وما زالت تتخبّط بين مكبّاته التي طمرت البحر وشوّهت الشاطئ وقضت على ثروته السمكية والمكبّات العشوائية المنتشرة بالمئات بين القرى والبلدات، كما عجزت عن توفير الحدّ الأدنى من الطاقة الكهربائية بعد مواجهة فاشلة مع إدارة المناقصات التي عطّلت الجوانب الفضائحية في مشاريعها على وقع إطلاق ورشة البحث عن النفط والغاز في عملية ملتبسة سياسياً ومالياً.

وعلى هامش الحديث عن هذه الإنجازات، لا يمكن تجاهل الأزمة الحكومية التي نشأت بين تاريخ استقالة الحريري من الرياض في 4 تشرين الثاني وتريّثه بالعودة عنها في 22 الشهر عينه وصولاً الى الرابع من كانون الأول تاريخ العودة عنها، حيث انشغلت الحكومة بكامل مكوناتها بالبحث عن رئيسها الذي انقطع الاتصال به لفترة امتدت 18 يوماً الى حين عودته الى لبنان مستعيداً ثقة اللبنانيّين بشخصه لكنه لم يتمكن من تجييرها الى حكومة «استعادة الثقة»، التي فشلت في إثبات هذه الثقة بفشلها المتدرّج بتطبيق قرار «النأي بالنفس» بعدما شكّل «مفتاح العودة» الى العمل الحكومي، وهو ما لن تثبت فاعليته قبل دخول العام الجديد.