لم يمنح العام 2018 نصيبه من الأمن الذي احتل أيامه، لأي من السنوات الماضية وربما اللاحقة، ولا حتى هو في وارد التخلي عن مساحات الإستقرار التي عاشها في ظل حماية أمنية مشددة لم تشهدها دول تُفرز مليارات الدولارات سنوياً في سبيل الحفاظ على أمنها. ففي هذا العام عزّزت مختلف القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش، عملية الأمن والإستقرار وتعززت ثقة اللبنانيين بها بعد أن كان البلد لسنوات خلت، مرتعاً للإرهاب والإرهابيين، ومسرحاً لجرائم متنوعة تبدأ بالقتل والتفجير، ولا تنتهي بتجارة المخدرات وعصابات السرقة والخطف واستهداف الآمنين.
حظيت القوى الأمنية على مختلف انواعها وللمرة الأولى ربما في تاريخ لبنان، بدعمين، معنوي وسياسي، لا متناهيين، أفضيا إلى تكريس حالة فريدة من نوعها في الإستقرار والأمن، على الرغم من حالة الفراغ السياسي التي نجمت على مراحل والتي امتدت لوقت طويل، إن لجهة كرسي الرئاسة الأولى، أي المسافة الممتدة بين إنتهاء ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان إلى حين إنتخاب الرئيس ميشال عون، أو لجهة الفراغ في رئاسة الحكومة الممتد هو الآخر، منذ إنتهاء صلاحيات الحكومة في 24 أيار الماضي ودخولها مرحلة تصريف الأعمال حتى الساعة.
شهد العام 2018، تطوراً لافتاً في العمليات الأمنية تكللت معظمها، إن لم تكن جميعها، بالنجاح وتحقيق المهمات المطلوبة. ففي هذا العام سقطت “إمارات” إرهابية كانت على وشك أن تستفيق مجدداً بعد أن دُحرت إلى خارج الحدود على يد الجيش، وأخرى مشابهة لتجار المخدرات وعصابات السرقة ومخططين كبار لعمليات خطف مقابل طلب فدية، ولأن الإتفاق السياسي تمحور فقط حول دعم المؤسسات المعنية بتثبيت الأمن، فقد فُتحت جميع الأبواب التي كانت موصدة في السابق أمام هذه الأجهزة للضرب بيد من حديد على الرغم من الخسائر البشرية التي تكبدتها، لكنها نجحت في كافة الميادين بتحقيق إنجازات نوعية صبت جميعها في خانة الإستقرار الذي ينعم به جميع اللبنانيين ومن دون أي استثناء.
عمليات الجيش توزعت خلال العام المنصرم على إتجاهات عدة، وهي انعطفت على دعم دولي تمثل بعمليات تسليح متتالية، لم تتوقف عند الطائرات والصواريخ ولا الدبابات والآليات العسكرية المتوسطة، ولا على صعيد الأسلحة المتوسطة والخفيفة والذخائر المتنوعة. وعلى جبهة هذا الدعم المعطوف على الدعم الداخلي المتعدد، كانت غلّة الإنجازات وفيرة بدأت بخطة امنية مُحكمة في البقاع الشمالي، نتج عنها استقرار ما زالت امتداداته مستمرة حتى اليوم. وبعدما كانت نشطت آفة الاتجار بالمخدرات بشكل لافت ومكثف خلال المرحلة الماضية، تمكّنت الأجهزة الامنية كافة وعلى رأسها الجيش، من الحد من عمليات الإتجار والتعاطي والترويج بنسبة مرتفعة، خلافاً لما كانت عليه في ما مضى، حيث كان تجار الموت يسرحون ويمرحون في المناطق والأحياء.
مخابرات الجيش عملت طيلة العام الماضي على توجيه ضربات “تحت الحزام” لشبكات تصنيع وترويج المخدرات، من خلال القبض على إرهابيين وعلى مطلوبين للقضاء بالعديد من مذكرات التوقيف والأحكام القضائية، دفع خلالها ضريبة الدم وافتتحها في بداية العام بعملية أمنية بحق هاجر العبدالله الدندشي، مقاتل في صفوف تنظيم “داعش” كانت له بصمات إجرامية قبل طرد “التنظيم” من لبنان خلال عملية “فجر الجرود”. الدندشي ومعه آخرون، كانوا يُحضّرون لعمل إرهابي إنطلاقاً من مكان تواجدهم في منطقة باب التبانة في طرابلس، لكن قوة من الجيش دهمت في اللحظة المناسبة مكان الدندشي ومن معه، لكن الدورية فوجئت بتعرضها لإطلاق نار كثيف ورمي رمانات يدوية ما أدى إلى استشهاد أحد العسكريين وجرح عدد آخر منهم، ولتسفر العملية عن مقتل المطلوب وتوقيف شقيقه مع آخرين، إضافة إلى ضبط كمية من الأسلحة والذخائر والأعتدة العسكرية والمبالغ المالية.
الجيش كان اتخذ من عيده العام الماضي عنواناً للأمن والإستقرار، فقد اختار في المناسبة أن يُطلق شعار يُعبر عن حالة الاستقرار التي فرضها بشعار أهداه لشعبه حمل عنوان “عيدنا يوم.. أمنك كل يوم”، وعلى هذه القاعدة تم دهم منزل علي زيد اسماعيل المعروف بـ “اسكوبار”، وهو أحد كبار مروّجي المخدرات في بلدة الحمودية – بريتال، وأدت العملية يومها الى توقيف الجيش 16 لبنانياً و25 سورياً وإلى مقتل ثمانية أبرزهم “اسكوبار”. ويُضاف إلى هذا العمل، عمليات نوعية ضد جماعات إرهابية كانت تحاول تعكير أمن المخيمات وجرها إلى حالة من التوتر مع الدولة اللبنانية. وتمكن الجيش من اصطياد أشخاص كانوا يُحاولون التسلل إلى لبنان من الجهة الحدودية الشرقية، وتوقيف شبكات إرهابية داخل العديد من المخيمات قبل أن تُنفذ اعتداءاتها.
أما على خط قوى الأمن الداخلي و”شعبة المعلومات” والامن العام وأمن الدولة، فقد حفل العام الماضي بسلسلة إنجازات لم تنحصر فقط بإيقاف المخلين بالأمن والمهربين وتوقيف أشخاص مطلوبين للعدالة، فكل فرع من هذه الأجهزة الامنية، أضاف إلى رصيده سلسلة إنجازات في الكشف عن عمليات إرهابية وتوقيف عصابات متخصصة بتهريب المخدرات من لبنان إلى الخارج، سواء في المطار أو على الحدود، بالإضافة إلى جرائم قتل منها جريمة “الدكوانة” والقبض على شخصين متورطين بقتل المذيع البريطاني غافن فورد، وأيضاً تمكنت “شعبة المعلومات” من كشف هوية منفذ التفجير الذي استهدف القيادي في حركة “حماس” محمد حمدان في مدينة صيدا، وكذلك تمكن أمن الدولة من توقيف أكثر من 45 شخصاً متهمين بقضايا إرهابية بينهم لبنانيون وأجانب.
في الثاني والعشرين من كانون الثاني العام الماضي، كشف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق خلال مؤتمر ضحافي، عن تمكن “شعبة المعلومات” من إحباط مخطط إرهابي لضرب لبنان كان يُعدّ له تنظيم “داعش”، تم خلالها “إلقاء القبض على إرهابي على علاقة بالإرهابي أبو جعفر العراقي، واجباره على الاعتراف بمعلومات خطيرة حول الجهة التي يعمل لحسابها”. ومنذ فترة اسبوعين تقريباً، تمكنت “الشعبة” أيضاً من إحباط مخطط إرهابي “داعشي” كان يستهدف تنفيذ تفجيرين كبيرين: الأول في أحد دور العبادة المسيحية، بعد فقدان الأمل بالقدرة على استهداف تجمعات شيعية، والآخر ضد القوى الأمنية والعسكرية، وذلك خلال الانتخابات النيابية، لتعطيلها وإحداث أكبر ضجة ممكنة خلال التحضير أو في يوم الانتخابات، التي جرت على مستوى من الإدارة رغم قلة الإمكانيات وضيق الوقت، باعتراف كل دول العالم.
كل ما ورد، يؤكد ان العام 2018، تميز فعلاً بمساحة أمنية غير مسبوقة، وتناغم أمني منقطع النظير بين الأجهزة كافة، معطوف على توافق سياسي يقول، أنه رغم الإختلافات السياسية بين الجميع، إلا أن امن البلد والمواطن، هما فوق كل اعتبار.