IMLebanon

2018 سنة الموت المجاني: 4270 حادث سير و341 ألف محضر سرعة

                     

2018 عام الموت المجاني والسرعة الزائدة. بهذه العبارة يمكن إختصار واقع حال السلامة المرورية على الطرق اللبنانية، فحتى منتصف الشهر الجاري سُجّل أكثر من 4 آلاف و270 حادثاً، أوقعت 5 آلاف و570 جريحاً، و464 قتيلاً، فيما سُطّر أكثر من 341 ألفاً و748 محضرَ ضبط سرعة زائدة وفق إحصاءات لقوى الأمن الداخلي حصلت عليها «الجمهورية». إذ لم يوفّر شبحُ الموت طريقاً أو شارعاً أو محلّة من المناطق اللبنانية ساحلاً وجبلاً إلّا وأطلّ بمخالبه منها خاطفاً أرواحَ المواطنين.

 

«ما تشرب وتسوق»، «إستعمل حزام الأمان قبل فوات الأوان»، «إذا حياتك ما بتهمّك فكر بدمعة إمّك»، «ما تترك قلب محروق»، «ما تهدر بكرا فدا السكرا»، «ما في إرسال تحت سابع أرض»… تطول لائحة حملات التوعية التي تقودها قوى الأمن الداخلي والمنظمات غير الحكومية على مدار السنة، وخصوصاً في فترات الأعياد، منها ما يؤثر في العاطفة وبعضها يُحاكي العقل، إنما النتيجة «دق الميّ ميّ».

 

إذ يتبيّن في مقارنة سريعة بين 2017 و2018 أنّ الحوادث إلى تزايد، فعام 2017 سُجّل 4053 حادثاً، أسفرت عن 513 قتيلاً، فيما حتى منتصف شهر كانون الاول من السنة الجارية أظهرت الارقام الأوّلية أنه سُجّل 4270 حادثاً تسبّبت بـ464 قتيلاً، وأكثر من 6750 بلغ مجموع عدد المركبات (سيارات، شاحنات، دراجات نارية…) في الحوادث.

 

في هذا الإطار، لا يمكن تجاهل التقرير المفصّل لمنظمة الصحة العالمية عن السلامة المرورية الذي صدر بعنوان Global status report on road safety 2018، ودقّ ناقوسَ الخطر مع تسجيل سقوط معدّل قتيل كل 24 ثانية في حادث سير في العالم، فيما النسبة الكبرى من الضحايا بحسب الفئات العمرية، تراوح بين عمر الـ5 سنوات والـ29 سنة.

 

ويلفت التقرير في طيّاته، وتحديداً بالنسبة إلى لبنان، الى سقوط 18 قتيلاً لكلٍّ مِن 100 ألف نسمة، بينما في الدول المتقدمة، يشير إلى ما بين 4 و7 قتلى لكل 100 ألف نسمة. ويشكّل المشاة النسبة الأكبر من ضحايا السير في لبنان بنسبة 37 في المئة.

 

طرق الموت

 

في مراجعةٍ سريعة لواقع حالِ الطرق اللبنانية تكاد تحتلّ بمجملها قائمة اللائحة السوداء، ما من أوتوستراد أو طريق أو نفق أو كوع إلّا وشهد على أنفاسٍ أخيرة، نهايات مؤلمة، أرواح زُهقت قبل ولادتها، أحلام دُفنت، أطفال تيتّموا، أمهات فُجعنَ… فمنذ الشهر الأول، استقبل اللبنانيون 2018 بدمعةٍ وحرقةِ قلب نتيجة رحيل 3 شبان على طريق المتن الأعلى بعدما اصطدمت سيارتهم بعمود كهرباء، وهم: ماهر صالحة، والبطل الدولي في الكيك بوكسينغ سيزار غزال وادوناي الأعور.

 

وكرّت سبحة المآسي، وبقي شبحُ الموت يتنقل سهلاً وجبلاً، من بين تلك الحوادث ما تعرض له المحامي سليمان سكاكيني وزوجته جمانة التي كانت حاملاً، على طريق المطار، والذي ذهب ضحيته 3 قتلى و7 جرحى. وحادث لا يقلّ فظاعة على طريق أبلح ـ نيحا بين «فانين» و«رانج روفر» ذهب ضحيته 4 قتلى ونحو 20 جريحاً.

 

ومن بين الذين رحلوا ورود في مقتبل العمر، التلميذ الضابط في المدرسة الحربية كريستيان نقولا بعد احتراق سيارته نتيجة اصطدامها بشاحنة على الطريق البحري بين شكا والهري. وقبله كانت المدرسة الحربية ودّعت التلميذ الضابط أسامة حبلص الذي قتل في حادث سير على الطريق البحرية في محلة الدورة وإصابة زميليه بجروح.

 

الضبط لا يكفي!

 

تتعدّد أسباب حوادث السير وتتداخل بين مسبّبات خارجية مرافِقة لعملية القيادة من غياب الإنارة الى وجود حفر وتلهّي السائق… إلّا أنّ تخطّي السرعة القصوى المحددة إلى جانب الطرق كان من بين العوامل الاساسية المسبّبة لحوادث السير في 2018، وحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي، سُطّر أكثر من 341 ألفاً و748 محضرَ سرعة زائدة حتى منتصف الشهر الجاري.

 

وفي هذا السياق يعتبر مديرُ الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم، أن الأساس ليس في كمية المحاضر، إنما في آلية إبلاغ أصحابها والسرعة في تسديدها، من دون أيِّ تدخّلات خارجية».

 

ويوضح في حديث لـ«الجمهورية»: «في جزء من العودة إلى القيادة الجنونية وتجاهل مسألة وضع حزام الأمان وكرسي الأمان للأطفال وغيرها من المخالفات، فاللبنانيون إعتادوا على قانون السير المُحدَث إلى حدٍّ فقد شيئاً من رهجته، بالإضافة إلى أنّ بعض اللبنانيين وجدوا مخرجاً لقيمة الغرامات العالية التي يتكبّدونها عبر معارفهم أو تنصّلهم بطريقةٍ ما».

 

فيسأل: «أبعد من المحاضرلا بدّ من تحديد النسبة المئوية من تلك المسدَّدة وتلك المخفَّضة، وعير المدفوعة والملغاة»، مؤكّداً في الوقت عينه «أنّ تسطيرَ المحاضر خطوةٌ أساسية للَجم المخالفين، ولكنّ الأهم الاستفادة من سرعة التبليغ والتسديد، ما يردع المخالف عن تكرارها».

 

أيُّ مركبات تدخل لبنان؟

 

وفي ضوءِ تخصُّصه في السلامة المرورية، ومتابعته لقضية حوادث السير، يلفت إبراهيم إلى مسألة أساسية تؤثر في نسبة هذه الحوادث ونادراً ما يتمّ تسليطُ الضوء عليها، وهي طبيعة السيارات المستعملة التي تدخل الأسواق اللبنانية، فيقول: «لا شكّ في أنّ الوزارات والبلديات معنيّةٌ في تأمين حماية المواطنين وسلامتهم على الطرق فضلاً عن أطراف فاعلة غيرها مثل الجمعيات غير الحكومية لإشاعة ثقافةٍ حول السلامة المرورية، ولكن في الوقت عينه جزءٌ من تحسين مستوى السلامة في المركبات والذي يساهم في الحدّ من ضحايا السير، هو طبيعة المركبات من سيارات وفانات التي تدخل إلى الأسواق اللبنانية وممنوعٌ استخدامها في بلدها الأم، كأن تكون خالية من وسادات هوائية، أو أحزمة أمان لكل مقعد وغيرها من متطلبات سلامة مستخدميها».

 

ويشير في الوقت نفسه إلى أهمية التشدّد في تطبيق المعاينة الميكانيكية التي «من شأنها تحسين ظروف القيادة وحماية السائق من الانزلاق أو الاصطدام». لذا يشدد إبراهيم على أهمّية التدقيق في ما يدخل الأسواق من مركبات وما يوضع على الطرق».

 

الواقع لا يتغيّر إلّا إذا…

 

لا شكّ في أنّ قانون السير الذي سيدخل في نيسان 2019 عامَه الرابع كانت له بعض المنافع الإيجابية في ضبط المخالفات، إلّا أنّ مسلسلَ الموت على الطرق لن يتوقف ما لم تدخل الأطراف الفاعلة في تطبيق القانون ضمن مقاربةٍ جديدةٍ تطويرية لما لم يتحقّق بعد، بدءاً من تحويل مكاتب السوق إلى مدارس تعليم قيادة مروراً بمكننة المحاضر وسرعة التبليغ، تطبيق نظام النقاط على رخص السوق، وصولاً إلى تأمين طرق تستوفي الحدّ الأدنى من السلامة وجسور للمشاة.

 

وفي هذا السياق يقول إبراهيم: «المسؤولية لا تقع على قوى الأمن الداخلي منفردة، فهناك وزارات معنيّة وبلديات أيضاً، ولا يمكن أحد التنصّل من مسؤولياته، لكن وقبل أيّ شيء لا بدّ من التفكير ملياً في طريقة العمل على تطبيق القانون بكامله نظراً إلى أنّ حيّزاً كبيراً من بنوده لم يُبصر النور نتيجة غياب القرارات والمراسيم التطبيقية أو بذريعة أنّ السلامة المرورية ليست أولويّة نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية».

 

ويضيف: «إلّا أنّ بعض الحلول غيرُ مُكلفة ولا تستدعي التريّث، وعلى سبيل المثال هل ننتظر توافر حلّ للكهرباء في لبنان لإنارة الطرق فيما القتلى يسقطون؟ ببساطة يمكن الاستعانة بعاكساتٍ ضوئيّة لتحسين الرؤية على الطرق، لذا يكفي أن تتضافر الجهود ونُطلق ورشة عامة للحدّ من النزيف بما فيها التعمّق في التحقيقات لمعرفة مسبّبات الحوادث لكي لا نبقى في الدوامة نفسها».

 

 

ختاماً ما لم نمضِ قدُماً في تفعيل عمل «المجلس الوطني للسلامة المرورية» الذي من صلاحيته رسم سياسة السلامة المرورية في البلد والسهر على تطبيقها وفق ما أقرّه قانونُ السير، بالإضافة إلى تفعيل أمانة سرّ المجلس المولجة، عبر خبراء متخصّصين، التنسيق مع الإدارات المعنيّة وإجراء الأبحاث ورسم الاستراتيجية بحثاً عن الحلول، ستبقى طرق لبنان تشهد على سيناريوهاتِ الموتِ نفسِها!