Site icon IMLebanon

2019 سنة كلّ المخاوف

 

أيّ سنة كانت 2018. كانت سنة من أسوأ السنوات التي مرّت على المنطقة كلها الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. كشفت أحداث تلك السنة كم الوضع ميؤوس منه في العراق وسوريا وليبيا.. واليمن، حيث الحلول مستحيلة في غياب كسر للتوازن العسكري القائم حالياً.

 

كشفت 2018 كم تونس مُهدّدة من داخل، وكم الجزائر على كفّ عفريت. كشفت بوضوح كم تراجعت القضية الفلسطينية التي تبقى قضيّة شعب محروم من أبسط حقوقه الوطنية وعليه في الوقت ذاته أن يُقاتل على جبهات عدة. جبهة إسرائيل التي تُمارس إرهاب الدولة، وجبهة «حماس» التي تلعب كل الأدوار المطلوبة منها إسرائيلياً بدعم إيراني واضح، وجبهة السلطة الوطنية التي ترهّلت إلى أقصى درجات الترهّل.

 

هناك نقاط مضيئة ما زالت توفر بعض الأمل بمستقبل أفضل. هناك جزر عربية لا يزال فيها من يهتم بشعبه مثل المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة. هناك، في الواقع استثناءان عربيان في منطقة تواجه فيها دول عدّة تحديات كبيرة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تسعى إلى تحقيق نقلة نوعية عن طريق رؤية 2030 التي يدفع في اتجاهها وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان صاحب الطموحات الكبيرة.

 

يواجه الأردن بدوره تحديات لم يسبق أن واجه مثلها في الماضي بعدما شاركت طبقة اجتماعية، ميسورة إلى حدّ ما اعتادت أن تكون بعيدة عن السياسات الداخلية، في إسقاط حكومة هاني الملقي الذي لم يستطع أن يكون على تماس مع الشارع. لا شكّ أنّه سيترتب على الأردن، الذي يعاني من أزمة اقتصادية عميقة، الإقدام على إجراءات تتسم بكثير من الجرأة في غياب الحلول السريعة التي يمكن أن تنتشل اقتصاد المملكة من حال الركود التي تعاني منها لأسباب مرتبطة بأوضاع المنطقة، خصوصاً في غياب التسهيلات التي كان يؤمنها العراق والخليج. هناك رغبة خليجية في مساعدة الأردن بدليل المساعدات التي أقرّتها قمة مصغرة انعقدت في الرياض، لكنّ على الشعب الأردني أيضاً تفهّم أن أموراً كثيرة تغيّرت في الإقليم وأنّ لا بديل من إصلاحات في العمق تعني أوّل ما تعني التخلّي عن الاتكالية وعن مقولة «سيّدنا (الملك) بدبّرها».

 

ليس الأردن وحده الذي يواجه تحديات كبيرة سيتمكن، على الأرجح، من تجاوزها بفضل عوامل عدّة من بينها قدرة الملك عبدالله الثاني على التعاطي مع الواقع بعيداً عن أيّ نوع من العقد، فضلاً بالطبع عن وجود مؤسسات لدولة قويّة.

 

توجد دول عدّة أخرى تنتظرها صعوبات كثيرة. في مقدّم هذه الدول الجزائر التي يعاني النظام فيها من مرض خطير يعود إلى عجزه عن تطوير نفسه. ليس مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المقعد منذ العام 2013 سوى دليل على عمق الأزمة الجزائرية التي يُخشى من أن تحوّل الجزائر إلى أحد عناوين السنة 2019.

 

يُفترض بالجزائر أن تنتخب في 2019 رئيساً يخلف بوتفليقة. لكن الظاهر، أقلّه إلى الآن، أن هناك عجزاً عن ترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها في ظلّ نظام لم يستطع تطوير نفسه من جهة وإقامة اقتصاد لا يكون أسير سعر النفط والغاز. بكلمة، يرفض النظام الجزائري الاعتراف بأنّ عليه التوقف عن ممارسة لعبة الهروب إلى أمام، أي إلى خارج حدوده، وأنّ الوقت حان ليتعلّم شيئاً من تجارب الماضي. لا يكشف مدى الجمود الذي يتحكم بالنظام الجزائري أكثر من العجز عن الردّ على المبادرة التي أطلقها الملك محمّد السادس من أجل حل المشاكل العالقة بين البلدين.

 

فقد ورد في خطاب العاهل المغربي في ذكرى مرور 43 عاماً على “المسيرة الخضراء”، وهي المسيرة الشعبية التي أعادت الصحراء المغربية إلى المغرب، في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1975: “يشهد الله أنني طالبت، منذ توليت العرش، بصدق وحسن نيّة، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية – الجزائرية. وبكل وضوح ومسؤولية، اؤكد اليوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين. ولهذه الغاية، أقترح على أشقائنا في الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد المستوى التمثيلي فيها، وشكلها وطبيعتها. وأؤكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين. وتتمثل مهمة هذه الآلية في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نيّة، وبأجندة مفتوحة، ومن دون شروط أو استثناءات”.

 

من الصعب تصوّر منطقة أفضل في السنة 2019 بعدما أسست 2018 للحلول المستحيلة لكلّ أزمات المنطقة. من سوريا، إلى العراق، إلى فلسطين، إلى اليمن، إلى الجزائر، إلى التدخل الإيراني المباشر عبر ميليشيات مذهبية في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن..

 

يأتي كلّ ذلك على خلفية وجود إدارة أميركية دخلت في مرحلة من التخبط وإصرار إيراني على المضي في مشروع لا أفق له باستثناء تمزيق المجتمعات العربية وترسيخ المذهبية.

 

تحوّلت أميركا في عهد دونالد ترامب من القوّة العظمى الوحيدة القادرة على دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم إلى قوّة تخدم أعداءها وكلّ من يسعى إلى الفوضى. من يبحث عن تفسير لهذا التصرف الصادر عن إدارة استطاعت وضع أفضل توصيف لسلوك النظام الإيراني، ثم قررت الانسحاب عسكرياً من سوريا، لا يجد جواباً بمقدار ما يجد أمامه المخاوف من فوضى عالمية ولا شيء غير ذلك.

 

تبدو 2019 سنة كلّ المخاوف، خصوصاً في منطقتنا العربية ومحيطها الذي يشمل تركيا وإيران طبعاً.