IMLebanon

هل سننظر في 2021 الى 2020 ونبتسم؟

 

 

 

شيعة وسنّة وموارنة وأرثوذكس… على خط “كورونا

 

مجلس المطارنة الموارنة قرّر، الأرثوذكس رفضوا، الشيعة يكثرون من الدعاء ويُقللون من “الزيارات” والسنّة يُذكّرون أن الممارسات الدينية التي تتطلب “اللمس” بالأيدي موجودة فقط عند “الإخوة الشيعة”! في هذا الزمن البائس، الذي يحتاج فيه “المؤمنون” الى التقرّب من الله، أكثر من أيّ زمن آخر، جاء “كورونا” ليفرض شروطه!

حتى المناولة، مناولة جسد يسوع المسيح ودمه، باتت هماً إضافياً في زحمة الهموم، النازلة على اللبنانيين، من “فج وغميق”. فبعد “فقر حال” الدولة، و”شفط” من فيها جنى عمر الناس، أتاهم “كورونا”. فهل يصلّون أم يكفرون؟ هل يجتمعون في الكنائس أو الجوامع أو الخلوات أم يرسمون شارة الصليب ويمارسون شعائر التقوى والسجود في البيوت؟ هل يستبدلون السلام باليد، بسلام الـ”مشالحة”؟ هل يسجدون أمام التماثيل ويقبّلونها أم يمرون أمامها “مرور الكرام”؟ هل يزورون المقامات ويلمسونها؟ هل يتضرعون ويتلون “الدعاء” وصلوات “الإستدعاء” لينجوا من الأوبئة والفيروسات وتتحقق معهم المعجزات كما تحققت معجزة شفاء الأبرص؟

 

راعي أبرشية صيدا ودير القمر المطران مارون عمار يجيب من مدخل معنى تناول القربان المقدس: تناول القربانة معناه تناول جسد الربّ، الخبز الفطير الذي يتحوّل الى جسد الربّ بعد أن يتقدس. ويستطرد: عندما يتناول المؤمن القربانة بفمه، يكون معرضاً لانتقال الكورونا من الكاهن الذي يُناوله أو قد ينقل بنفسِهِ الفيروس الى الكاهن. تلافيا لهذه الإمكانية قرر مجلس المطارنة الموارنة إعطاء القربانة باليد ووضعها مباشرة في كفّ اليد. السلام، الذي له بعدٌ روحي، ليس ضرورياً أن يكون بسلام اليد، بل يجوز بالإنحناء أو “المشالحة” أو حتى قد تتحقق المصافحة بالعينين.

 

ما رأي الكنيسة الأرثوذكسية بهذا القرار الصادر عن “مجلس الموارنة”؟ متروبوليت صيدا وصور ومرجعيون للروم الأرثوذكس المطران الياس كفوري يُفضّل عدم الإجابة “بتسمحي ما جاوب”؟ لماذا؟ “ما بدي جاوب”. فلنحترم قرار المتروبوليت لكن ماذا قد يكون رأي الكنيسة الأرثوذكسية في الموضوع؟ راعي أبرشية القديسة مريم للروم الأرثوذكس في بالتيمور (أحد أكبر مدن ولاية ميريلاند الأميركية) تيودوروس داوود التابع للكنيسة اليونانية التقليدية يجيب بسؤال يليه جواب: هل تعرفون ما معنى المناولة؟ إذا أدركنا فعليا معناها نعرف أن كل جدال في الموضوع هو تجديف وكذب ومهزلة وسخرية. نحن نؤمن أننا نتناول جسد المسيح ودمه في الكأس المقدس. وإذا كنا نؤمن حقيقة أن هذا هو جسد المسيح لشفاء الجسد والنفس فمعناه أن المسيح لا ينقل المرض وهو الذي حمل أوجاعنا لشفاء نفوسنا وأجسادنا. لكن ما نراه، هو شعبنا، بمعظمه، يفتقر الى الثقافة الروحية. يتابع: الكنيسة الأرثوذكسية ناولت، منذ ألفي عام، بالملعقة المطلية بمياه الذهب، ولم يحصل في ألفي عام أيّ مرض. حدثت مؤتمرات لضعيفي الإيمان للتأكد من انتقال عدوى ما عبر ملعقة مناولة القربان المقدس لكن لم تظهر أية حالة. واليوم، كما أمس، نعتبر أن من يخشى من عدوى ما، في وقت ما، يُجدّف ويُدنّس المقدسات ويُسيء إليها. المسيح خالق الكون والقربان المقدس سرّ من أسرار المسيحية. ويستطرد الكاهن الأرثوذكسي: ناولتُ عبر عقود مديدة أشخاصاً يعانون من أمراض جرثومية مميتة ولم أصب بداء. فمم نخشاه اليوم؟ أن ينتقل الفيروس الى المؤمنين؟ ماذا عن جلوس المؤمنين الى جانب بعضهم البعض، وتنفسهم في وجوه بعضهم البعض، وماذا عن إمساكهم بالإنجيل، الذي أمسك به الآلاف (وأكثر) من قبلهم؟

 

كلام كثير يردده الكاهن الأرثوذكسي يجعل المؤمن “يضيع” بين الصحّ والباطل، كما كلّ الكلام الذي يُردده خبراء الإقتصاد، في هذه الأيام، من دون أن يعطوا حلولا… فهل لدى الكاهن حلّ؟ يجيب: “إما أن يذهبوا الى الكنيسة ويصلوا بإيمان، ويثقوا ان الله في وسطها، أو فلتقفل الكنائس”. إذا كان “كورونا” قد فرّق بين الأرثوذكس والموارنة، فماذا عن “إنجازاته” في الطائفتين الشيعية والسنّية؟

 

مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار يبدو مطمئنا “بما أن ممارسات أهل السنّة الدينية لا تتضمن زيارة المقامات و”لمسها” قائلا: “هذه الأشياء خاصة بالإخوة الشيعة. أما نحن فنطوف فقط حول الكعبة. والمملكة (السعودية) علّقت العمرة موقتا”.

 

نطمئن؟ يطمئن أهل السنة؟ وماذا عن أهل الشيعة؟

 

عالم الدين السيد جعفر محمد حسين فضل الله يثق بوجوب نشر الوعي، من دون الوقوع تحت وابل الإشاعات، والإستعاضة عنها بنشر الروح العلمية التي تتلمس الأخطار الحقيقية، من دون العيش في وهم يزيد من منسوب الخوف”. السيد فضل الله يتوقف عند نقطتين:

 

أولا، الجانب العلمي وهو جانب أساسي في الموضوع.

 

ثانيا، الجانب الإنساني، بحيث لا يعيش الإنسان في خوف غير مبرر، يؤثر على نمط تفكيره، ويجعله أسير الفوبيا. وهنا، في هذه النقطة بالذات، يلعب الجانب الإيماني دوره أيضا.

 

لدى الطائفة الشيعية مجموعة من الطقوس والشعائر التي يُحبذ تقديمها في شكلٍ جماعي، ولإلتقاء الجماعة بعدٌ إجتماعيّ وروحي. ويشرح فضل الله: يُصار الى ترجيح الصلاة الجماعية لبُعدها السياسي، أي الدلالة الى الهوية، والبعد الإجتماعي والروحي والتشاركي. لكن، بما أننا وصلنا الى نقطة بات لزاما علينا الحدّ من إنتشار فيروس قد ينتقل بسهولة أكبر بين الجماعة أصبح ضروريا الحدّ من الممارسات التي تسمح بانتشاره. والبديل الطبيعي هو الصلاة فرادى. مع التأكيد هنا على البعد العلمي والحذر الطبي وألا يتحوّل هذا البديل الى فوبيا.

 

كلام السيد فضل الله واضح. لكن، ماذا لو أصرّ المؤمنون على زيارة المقامات؟ وماذا لو أصروا على لمسها؟ وماذا تعني هكذا ممارسات حسيّة؟

 

التلمس غير محبّذ الآن. وهذه دعوة من السيد فضل الله الى كل الشيعة ويقول: ثمة أشياء فيها بعض التطرف في السلوكيات الدينية. هناك علاقة عاطفية في تلمس الأضرحة. والزيارات في المفهوم الديني تتحوّل الى تزوّد إنساني، لكن ما نحاول أن نعزز الوعي حوله هو أن هدفية منظومة القيم هي عدم الإضرار بالنفس وبالآخرين، وبالتالي ألا يتحول هذا التعبير العاطفي المتمثل بلمس الأضرحة والمقامات الى ضرر.

 

هذه الطقوس والممارسات تعود، بحسب فضل الله، الى ثقافات شعوب عبّرت عن تعظيمها لشخصيات دينية وليس لها، بطبيعة الحال، جوانب دينية. ويظن كثيرون أن لمس هذا المرقد أو ذاك من شأنه الشفاء من أمراض الروح والجسد. ما رأي راعي أبرشية صيدا ودير القمر المطران مارون عمّار بإصرار بعض المؤمنين المسيحيين، كما الشيعة، على تلمس صور القديسين والتماثيل؟ يجيب: يحتاج الإنسان، على الدوام، الى تجسيد إيمانه. تقبيل التماثيل والصور نوع من أنواع تجسيد هذا الإيمان، كما زيارة معبد ما، أو التضرع أمام صورة يسوع أو العذراء أو القديسين أو عند أقدام الصليب. بهذه الحركات يُعبّر المؤمنون بإيمانهم بالله وبحبهم له.

 

نعود الى الطائفة الشيعية لنسأل: التضرعات التي تحدث في الحروب والكوارث والأوبئة؟

 

يتحدث فضل الله عن كلمة ذُكرت في القرآن الكريم هي “الإبتلاء”، وهذه الكلمة هي جزء من حياتنا وليست خارج سياقها الطبيعي. تحت خانة هذه الكلمة تَرد منظومة قواعد سلوكية تختبر كيفية تعاطينا مع الأحداث، كيف نتصرف إذا ابتلينا بمصيبة، نكفر أم لا، نضعف أم نقوى، نواجه أو نستسلم. ويستطرد العالم الشيعي بالقول: الحياة، بطبيعتها، مثقلة بالفيروسات على أنواعها، التي قد تظهر تحت ظروف حياتية معينة، ويحتاج الإنسان أن يعود دائما الى ذاته ويتذكر كم هو ضعيف أمام الكائنات بدل أن يظل يتصرف بتواضع بدل الإستكبار والإستعلاء. الإبتلاء قد يكون مفيداً أحياناً إذا أحسن الإنسان التعلّم من تجربته وتجاوزها إنسانيا. في هذا الإطار، يُعدّ الدعاء جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. وهناك أدعية كثيرة يُستعان بها في القرآن. الدعاء هو عبادة بلا طقوس محددة وتُركت لانعكاسات الإنسان، وكلنا يعلم أن الإنسان، في كلّ مرة يتعرض فيها الى أزمة، يلجأ فيها الى الله. الدعاء، لا يحتاج الى بروتوكولات معينة بل يخرج من القلب ويعيد غسل الداخل الإنساني.

 

نُصغي جيداً الى كلام فضل الله، ماذا عن رأي المطران عمار في الدعاء؟ يجيب: نحن، في المسيحية، نسميه الإستدعاء حيث نطلب من الله وهو من قال: “أطلبوا تجدوا إقرعوا يفتح لكم”. و”حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، في الصلاة، فأنا أكون بينهم”. و”أطلبوا ملكوت الله وبرّه”. ولله، الذي لا يكلّ أو يملّ من الطلبات، الحرية الكاملة للإستجابة مادياً وحسياً غير أن الإستجابة الروحية فلا بُدّ حاصلة. ويستطرد سيادة المطران: الطلبات المادية تتحقق لزمن، لمرحلة، أما الحالة الروحية فدائمة ثابتة. ونحن ننشدُ ملكوت الربّ… معه ننال الحياة الدائمة.

 

الكاهن الأرثوذكسي تيودوروس داوود، يراقب من جهته ما تؤول إليه أوضاع البلاد وتأثير “كورونا” على الممارسات الدينية وصلوات الإستدعاء ويقول: نحن نصلي، في كلِ قداس، ضمن الذبيحة الإلهية، من أجل شفاء النفس والجسد والنجاة من الأوبئة. كانت الكنيسة تصلي حين ينحبس المطر، لكن ما حصل أن الموضوع أصبح عاطفياً، والناس يتعاملون مع القديسين على مقاساتهم، متناسين أنهم قديسون لا “دليفري”. ويستطرد: نحن نؤمن، في عمق الإيمان، أن لا شعرة تسقط من الرؤوس إلا بعلمِ أبينا الذي في السماوات. والأمراض تأتي غالبا بسبب تكاثر الشرّ. والله يرى ويتدخل وهو أبٌ ونحن نصلي الى الربّ الآب ونقول له: فلتكن مشيئتك.

 

الأديان والطوائف والبلاد والعباد كلّهم منهمكون بالفيروس المستجد “كورونا” الآتي على طبق صيني، بنكهة إيرانية وتوابل من كلّ العالم. وماذا بعد؟ نتضرع؟ نتلو صلوات الإستدعاء؟ نتلو آيات الحماية من الإبتلاء؟

 

نقرأ في الآيات السماوية وفي الكتب ونختار منها: ضع يدك على الذي يؤلمك في جسدك وقلّ بسم الله ثلاثاً وقلّ سبع مرات: أعوذ بالله… ربّ إشف وأنت الشافي فلا شفاء إلا شفاؤك… أسألك الله أن تشفيه فلا ضرّ إلا ضرّك ولا نفع إلا نفعك…

 

نفتح صفحات دار الإفتاء على مواقع التواصل الإجتماعي ونقرأ: “دعاء الوقاية من الأمراض”: “أعوذ بالله من البرص والجذام والجنون ومن سيئ الأسقام”.

 

نقرأ في صلوات إستدعاء الروح القدس. نقرأ في صلوات الإستسقاء. قرأنا الأحد الماضي، في أحد الصوم، في أحد شفاء الأبرص: يا إلهنا يسوع المسيح، يا من بتدبيرك الخلاصي لأجلنا طهّرت الأبرص وقدسته، قدِّس أرواحنا بروحك القدوس، ونقّ أجسادنا ونفوسنا من كلّ خطيئة، فكراً وعملاً. وهبّ لنا أن نمجدك بنقاوة وقداسة، وأباك وروحك القدوس، الآن والى الأبد، آمين… وارحمنا يا من تَنبع من جنبيه الإسعافات ويخرج من ثيابه الشفاء وتجري من طرقاته البركات وتفيض من خطواته الخيرات كثّر علينا نعمتك، أغننا بمواهبك، إشفنا بأمرك، وثبتنا بقدرتك…

 

“كورونا” دخل مرحلة الإنتشار في لبنان. المؤمنون يتمسكون أكثر بالممارسات الدينية. القيمون على الأديان يحاولون أن يمسكوا العصا من الوسط بين العلم والدين، والحذر واليقين، وأصوات التضرع والدعاء والإستدعاء تطغى على كلّ الأصوات… نحن في 2020… فهل سننظر في 2021 الى الوراء ونبتسم؟