الإيرادات تتراجع 4 مليارات دولار والعجز العام يتخطّى 9 في المئة
السير في موازنة العام 2020، سيكون واحداً من عشرات العقبات التي تنتظر الحكومة العتيدة، في حال أبصرت النور. فالطريق أمامها لن يكون مفروشاً بالسجاد الأحمر المخملي، إنما مزروعاً بألغامٍ داخلية وخارجية، إن نجحت بتفكيك بعضها أو تجنّبت بعضها الآخر بقدرة عجائبية، فهي لن تستطيع تخطّي لغم الموازنة، وستدوس عليه مرغمة. وهنا يأتي الخيار الصعب، أترفع قدمها لينفجر؟ أم تَعلق فوقه إلى أجل غير محدد؟
ختام دراسة مشروع موازنة العام 2020 من قِبل لجنة المال والموازنة النيابية لم يكن مِسكاً. فاللجنة المنكبّة على دراسة موازنات الوزارات والغائصة في تفاصيل تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات منذ نهاية أيلول، تفاجأت في آخر جلساتها بتقرير وزارة المالية، الذي يشير إلى تسجيل الإيرادات إنخفاضاً بنسبة 35 في المئة أو ما يعادل 4 مليارات دولار. وبأن الضريبة على أرباح المصارف المفروض أن تؤمن 400 مليون دولار لم تعد مضمونة. وليس من المؤكد ان يستطيع “المركزي” تأمين قرض الـ 3 مليارات دولار للمساهمة في تخفيض العجز.
إذا كان “ما بُني على باطل، هو باطل”، فإن بناء الموازنة على قاعدة زيادة الايرادات دفترياً، وليس تخفيض النفقات حقيقياً، في ظل نموّ متوقع بنسبة 1.2 في المئة وتضخم بنسبة 2.8 في المئة، يثبت اليوم أكثر من أي وقت مضى عقم التفكير، في حال افترضنا النية الحسنة، أو عدم الرغبة في الإصلاح، وهو الرأي المُرَجح.
الأساس الذي بُنيت عليه الموازنة منذ أشهر قليلة والذي كان يظهر انه خاطئ في وقتها، أصبح اليوم فاقعاً، ولم يعد من شيء يخفيه.
الحكومة السابقة التي قدّرت العجز في الموازنة بحوالى 7.3 في المئة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي المقدر بـ 59 مليار دولار، ستكون شاكرة إذا وقف عند حدود 9 في المئة، “إذا افترضنا ان الناتج المحلي الاجمالي يبلغ 85 الف مليار ليرة ومن دون احتساب مسامحة مصرف لبنان للدولة بحوالى 3 آلاف مليار ليرة”، يقول رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية منير راشد.
النفقات المتوقعة في موازنة 2020 تبلغ 27 الف مليار ليرة وهي تتوزع على الشكل التالي: 9 آلاف مليار ليرة على الرواتب والأجور، والتعويضات. 9 آلاف مليار أخرى على خدمة الدين العام. حوالى 4 آلاف مليار على الكهرباء والسلع والخدمات المدعومة. 4 آلاف مليار على المشتريات والمصاريف الجارية والنفقات الرأسمالية، والف مليار للبلديات. أما الإيرادات فهي بحدود 17 الف مليار ليرة.
وبالتالي فإن العجز المتوقّع سيبلغ حوالى 9 آلاف مليار ليرة، أو ما يشكل 9 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي المقدر بـ85 الف مليار ليرة.
المبالغة في الناتج
طريقة احتساب الناتج المحلي الإجمالي تشكل مفارقة بحد ذاتها، فهي لا تقتصر على المبالغة وتضخيم الرقم أنما تعتبر مسبباً اساسياً في اظهار نسبة العجز في حدود 9 في المئة وليس أكثر. فآخر تقدير للناتج المحلي الإجمالي صدر في العام 2017 وحُدد وقتذاك بـ 80 الف مليار ليرة أي ما يعادل 53.3 مليار دولار. و”لنفترض ان الناتج يرتفع بمقدار 2 في المئة سنوياً فقد يصبح في العام 2020 حوالى 85 الف مليار ليرة”، يوضح راشد، ويضيف “لكن في الواقع هذه الزيادة هي محض نظرية وتقاس نسبياً مع ارتفاع الاسعار. انما فعلياً فان الناتج المحلي ينخفض ولا يرتفع”. وعليه فإن انخفاض الناتج يرفع نسبة العجز.
وبحسب راشد فإن “من المتوقع ان يقوم المركزي بدعم الدولة بحوالى 3 آلاف مليار ليرة عبر طريقتين: إعفاؤها من دفع المبلغ المترتب أو إعادة جدولة الدين بفائدة 1 في المئة بدلاً من 7 و8 في المئة. لكن هذا الامر سيضعف ميزانية المركزي وينعكس في قدرته على دفع فوائد سندات الإيداع للمصارف الخاصة”.
بعيداً من لغة الأرقام سأل أحد الإقتصاديين الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه “عن أي موازنة نتكلم. فهل ستستطيع الدولة جباية ليرة في العام القادم اذا استمرت الامور على هذا الشكل؟”، ويضيف “أننا داخلون في سواد كامل، لا ينفع معه الحديث بمليارات النفقات والإيرادات. فلا دياب (الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة حسان دياب) ولا غيره يستطيع ان يفعل شيئاً. ومما يزيد الخوف هو عدم قدرة المركزي على تحمّل العبء وحيداً، وجهلنا بكيفية تقاسم وزارات المالية والكهرباء والاتصالات”. ويتوقّع “أن تنخفض عائدات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 50 في المئة على أقل تعديل، وأن تقارب المداخيل من الارباح الصفر”. وفي الوقت الذي طمأن فيه ان الدولة ستستمر في الدفع للموظفين، “لأن الدولة لا تفلس”، حذّر من سقوط النظام والدخول في مرحلة المجاعة… عندها لا تعود هناك قيمة لأي أرقام وحسابات.