Site icon IMLebanon

2020 سنة مفصليّة لإتّخاذ الخيارات الأقل ضرراً

 

 

 

لطالما تمتّعت المصارف التجارية اللبنانية بنسب سيولة وملاءة مرتفعة وهو فعلاً ما تشير إليه النسب المالية المنشورة التي تلبّي متطلبات المعايير الدولية واتّفاقات التنظيم الدولي مثل بازل 3. في المقابل، استُنزف القطاع منذ بداية 2018 حيث شهدنا خروج أكثر من 10 مليارات دولار من الأسواق اللبنانية، وصولاً إلى ما نشهده اليوم من عدم ثقة المودعين بالنظام الاقتصادي والمالي ما يُترجم ضغطاً كبيراً على الهيكلية المالية للمصارف.

في ظلّ الذعر الذي يعيشه المودعون والذي يُترجم بالتهافت اليومي لسحب الودائع، نجحت السيولة المرتفعة للمصارف التي فَرَضها مصرف لبنان عبر التاريخ في امتصاص الصدمة الأولى حتى الآن، وبالتالي منع القطاع المصرفي من الانهيار وهي نقطة تُسجّل للسياسة النقدية المتّبعة في هذا المجال.

 

ولكن في ظلّ استمرار الأزمة المالية وفي ظلّ غياب أيّ حلّ سياسي أو اقتصادي يستمرّ الضغط على المصارف لينتقل السؤال من مسألة سيولة المصارف إلى مدى ملاءة موجوداتها لتغطية الالتزامات المالية التي بطبيعة الحال هي في معظمها إيداعات الناس. تعاني الأسواق من شحٍّ ضخم بالعملات الصعبة وبالتالي من الناحية المالية لا بدّ من فصل الملاءة بالليرة عن الملاءة بالعملات الأجنبية.

 

إنّ تحليل اللوائح المالية للمصارف اللبنانية عن شهر أيلول، المنشورة مؤخراً من قبل جمعية المصارف، يشير إلى أنّ الملاءة هي فعلاً مرتفعة جداً بالليرة اللبنانية فموجودات المصارف اللبنانية بالليرة هي أكثر من التزاماتها بـ25% وبالتالي وضعها المالي بالليرة صلب ومتماسك. بينما في الجهة المقابلة يشير التحليل الى أنّ موجودات المصارف من العملات الأجنبية أقلّ من التزاماتها (الإيداعات) من هذه العملات.

 

إنّ الإيداعات بالعملات الأجنبية بلغت 124 مليار دولار بينما موجودات المصارف من هذه العملات من القروض المعطاة للمقترضين والأملاك والاستثمارات الداخلية والخارجية حوالى 78 مليار دولار وإذا اعتبرنا أنّ احتياطي المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان يساوي 15% من الإيداعات (أي حوالى 19 مليار دولار) يكون مجموع الموجودات بالعملات الأجنبية 97 مليار دولار. كيف يُفسّر إذاً الفارق السلبي بـ27 مليار دولار بين موجودات المصارف والتزاماتها بالعملات الأجنبية؟

 

الاحتمال الأول هو أن المصارف اللبنانية قد أودعت الـ27 مليار دولار في مصرف لبنان كاحتياطي إضافي وهو أمر مستبعد لأنّها في نهاية المطاف تبغي توظيف واستثمار موجوداتها وبالتالي الربح. الاحتمال الثاني هو أن تكون المصارف قد حوّلت هذا المبلغ لليرة واستثمرته بنسب فوائد مرتفعة في مصرف لبنان ولذلك لا تلحظه القوائم المالية في موجودات المصارف بالعملات الأجنبية من استثمارات وغيرها.

 

في كلّ الأحوال إذا طلب كلّ المودعين أموالهم بالعملات الأجنبية اليوم، لا تستطيع المصارف إعطاء المودعين أموالهم بسبب صعوبة تسييل الموجودات (ككلّ مصارف العالم التي تُبقي نسبة معينة ومحدودة من السيولة) خصوصاً إذا كانت قد حولت جزءاً منها الى الليرة اللبنانية. كما أنّ هناك شبه استحالة لإعادة المبلغ الذي استثمرته المصارف (بقيمة 27 مليار دولار) من الليرة إلى الدولار إلّا بدعم من مصرف لبنان.

 

يفسّر هذا التحليل إلى حدّ بعيد ما يحصل حالياً من وضع المصارف سقوف أسبوعية منخفضة جداً لسحب العملات الأجنبية لضعف ملاءتها بهذه العملات ودعوة مصرف لبنان الى المصارف التجارية لزيادة رأس مالها بالعملات الأجنبية لحماية أموال المودعين.

 

في المقابل، لا تستطيع المصارف الاستمرار في سياسة السقوف المنخفضة ومنع التحويل الى الخارج لمدة طويلة، لأنّ ذلك يقوّض الحركة الاقتصادية. لذلك تسعى بعض المصارف الى أن تدفع بالليرة إيداعات أصحاب الحسابات بالعملات الأجنبية والذي يعتبر نوعاً من أنواع الـ(haircut) في ظلّ وجود سوق مواز لسعر الصرف.

 

خيارات مصرف لبنان

 

نعيش اليوم استحالة دخول العملة الصعبة إلى لبنان عبر الاستدانة لأنّ نسبة الدين أصبحت مرتفعة جداً مقارنةً بالناتج المحلي، وامتناع المغتربين عن تحويل مدّخراتهم إلى لبنان بعد فقدان الثقة بالمصارف اللبنانية بسبب القيود على رؤوس الأموال (Informal Capital Control).

 

بالتالي يجد مصرف لبنان نفسه في وضع صعب جداً فمن جهة لديه احتياطي سائل بالعملات الأجنبية 30 مليار دولار فقط من دون القدرة على الاستحواذ على المزيد بينما لديه الالتزامات التالية:

 

• 27 مليار دولار في حال أراد دعم المصارف وحماية أموال المودعين بالعملات الأجنبية.

• 6 مليارات دولار سنوياً لدعم السلع الأساسية (مشتقات نفطية، طحين، دواء)

 

• 11 مليار دولار سنوياً في حال أراد الحفاظ على سعر صرف الليرة (استيراد باقي السلع)

• 3 مليارات دولار في الـ2020 لدفع قروض لبنان باليوروبوند وشهادات الإيداع بالدولار.

 

• 2 مليارا دولار في الـ2020 لدفع فوائد قروض لبنان بالدولار.

 

لذلك، تعتبر سنة 2020 سنة مصيرية للبنان فلديه احتياط سائل من 30 مليار دولار بينما لديه التزامات بـ49 مليار دولار خلال هذه السنة. في حال قرّر مصرف لبنان الحفاظ على كلّ التزاماته الحالية سيتبخّر الاحتياطي قبل حزيران 2020.

 

البديل هو شراء الوقت عبر رفع الدعم عن المصارف التجارية وأموال المودعين بالعملات الأجنبية، عدم إيفاء التزامات لبنان المالية العالمية، أو فكّ ارتباط الليرة بالدولار. وقريباً قد يكون مصرف لبنان في موقع اختيار الكارثة الأقل ضرراً بين باقي الكوارث لتلافي الإفلاس.