نزل السفير السعودي في بيروت وليد البخاري بكل ثقله المالي في عكار، جنباً إلى جنب القوات اللبنانية، داعماً المرشحين عن المقاعد السنّية على لائحة القوات – طلال المرعبي – خالد ضاهر، متّكلاً على شعبوية الأخيرين وحيثيّتيهما المفترضتين. اصطفّ محور معراب – الرياض خلف ضاهر والمرعبي، فيما اصطفّ محور حارة حريك – دمشق خلف المرشح على لائحة التيار الوطني الحر محمد يحيى. نال الأخير 15142 صوتاً، مقابل حصول ضاهر والمرعبي معاً على على 5633 صوتاً فقط (2479 صوتاً للأول و3154 للثاني). كاد يحيى، وحده، أن يجمع ثلاثة أضعاف (تحديداً 2.68) ما جمعه مرشّحا السعودية معاً. في السياسة، يوازي هذا فوز ملحم طوق في بشري؛ وحفاظ التيار على مقعدَيه في دائرة الشمال الثالثة، وحصول مرشح حزب الله في دائرة بيروت الثانية على أصوات سنّية أكثر ممّا ناله الوزير السابق خالد قباني، مرشح السعودية وفؤاد السنيورة. بالنسبة إلى تيار المستقبل، كان للانتخابات هدف وحيد: إقصاء لائحة القوات اللبنانية وحرمانها من المقعد النيابي الذي حصلت عليه بأصوات المستقبليين عام 2018. وقد حقق التيار الأزرق هدفه، من دون أن يُحسم بعد ما إذا كان ضاهر والمرعبي قد نسّقا معه لقبض أموال من السعودية من دون تقديم ما يلزم من أصوات للائحة في المقابل، أم أن هذا هو حجمهما الحقيقي. أما الإنجاز الأهم للمستقبل، على صعيد محاصرة القوات، فهو تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها مرشح معراب في أقلام الناخبين السنّة من 4000 صوت عام 2018 إلى 1586 فقط. في النتيجة، عجزت لائحة البخاري – جعجع عن تأمين حاصل انتخابي، حلّ محمد يحيى في المرتبة الأولى، وحافظت كتلة المستقبل (ولو بشكل غير رسمي) على حصتها العكارية المتمثلة بأربعة نواب، وحقق التيار الوطني الحر مفاجأة كبيرة بفوزه بثلاثة مقاعد نيابية، و… سقط هادي حبيش
من أصل 309517 ناخباً عكارياً، اقترع 153878، أي ما نسبته 49.71% بزيادة 1.45% عن انتخابات 2018، ما يلغي تماماً فرضية المقاطعة المستقبلية. كثيرون توقّعوا، قبل الانتخابات، تراجع الحاصل الانتخابي، لكنه ارتفع من 19059 صوتاً عام 2018 إلى 21232، ما حال دون وصول ست لوائح إلى الحاصل الانتخابيّ الأول. وفيما نالت لائحة النائب وليد البعريني 41848 صوتاً، ولائحة التيار الوطني الحر 41761 صوتاً، حصلت لائحة البخاري – القوات على 19334 صوتاً، وتخلّفت عن بلوغ الحاصل بفارق كبير وصل إلى 1898 صوتاً. ونالت لائحة «عكار التغيير» (مجتمع مدني – جماعة إسلامية) 14145 صوتاً، و«الوفاء لعكار» (الرئيس نجيب ميقاتي وآخرون) 13614، و«النهوض لعكار» (الجامعة المرعبية ومحمود حدارة وبهاء الحريري) 11885، ثم «مواطنون ومواطنات في دولة» مع آخرين 3154، وأخيراً «عكار تنتفض» 1371. من أصل ثماني لوائح، تمكّنت اثنتان فقط من تجاوز الحاصل الأول، فخرجت بالتالي ست لوائح من السباق وصل مجموع أصواتها إلى 63503، يضاف إليها 5252 ورقة ملغاة، ليصبح المجموع 68755 صوتاً، أي ما نسبته 44.68% من المقترعين أطاح بأصواتهم القانون الانتخابي النسبي المعمول به.
عند التدقيق في النتائج، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
1 – كان فارق الأصوات بين لائحتَي البعريني (41848) والتيار (41761) هزيلاً جداً وبلغ 87 صوتاً فقط. وأدّى انخفاض الحاصل الثاني (بعد خروج أصوات اللوائح الست الخاسرة من الاحتساب) من 21232 صوتاً إلى 12159، إلى نيل لائحة البعريني ثلاثة حواصل ولائحة التيار ثلاثة أخرى، إضافة إلى 0.442 كسر حاصل للائحة البعريني و0.434 كسر حاصل للائحة التيار، ففازت الأولى بالمقعد الرابع بفارق كسور يبلغ 0.008.
2 – بعد كل الجهد الإعلامي والسياسي والتنظيمي والمالي، حلّ مرشح القوات وسام منصور أوّلاً في صناديق الاغتراب بـ 1199 صوتاً، مقابل 739 صوتاً لمرشحَي التيار الوطني الحر (469 صوتاً للنائب جيمي جبور و270 للنائب أسعد درغام).
3 – حضور التيار الوطني الحر وسط الناخبين السنّة أكبر من حضور القوات. إذ نال مرشح القوات 1582 صوتاً في الأقلام السنّية مقابل 4021 للتيار (2367 لجبور و1654 لدرغام). وخلافاً لما كان يسوق، تبيّن أن التحالف العلني مع التيار لم يؤثر على الاقتراع ليحيى أو غيره. أما في الأقلام المسيحية، فقد حصل مرشح القوات على 5427 صوتاً، مقابل 9809 لمرشحي التيار (6058 لجبور و3751 لدرغام)، ما يشير إلى خطأ ما تسوّقه القوات عن تقدمها على التيار مسيحياً في عكار، بعدما حصل على ضعف ما حصلت عليه في الأقلام المسيحية (1.807)، فيما نال حليف التيار الأرثوذكسي شكيب عبود (3384 صوتاً) أكثر من سبعة أضعاف ما جمعه حليف القوات الأرثوذكسي زياد رحال (464 صوتاً).
4 – توزعت أصوات تيار المستقبل الذي حصد 76452 صوتاً عام 2018 على أربع لوائح رئيسية: لائحة محمد بدرة (نالت 14145 صوتاً)، لائحة المرعبي – حدارة (11885)، لائحة طليس – عز الدين (13619)، ولائحة البعريني (41848 صوتاً).
5 – تراجعت أصوات البعريني من 20426 صوتاً عام 2018 إلى 11099 بعدما حوصر بعدد كبير من المرشحين في منطقته الانتخابية بحيث كان هناك مرشح قوي في كل بلدة كبيرة بين ببنين وفنيدق في المنطقة الجغرافية المعروفة إدارياً بالقيطع.
6 – تراجعت أصوات النائب محمد سليمان من 14911 إلى 11340، ذهب العدد الأكبر منها للنائب محمد يحيى الذي تقدم من 8144 صوتاً عام 2018 إلى 15142 صوتاً. يحيى وسليمان من منطقة وادي خالد، وقد حلّا في المركزين الأول والثاني مستفيدَين من عدم وجود عدد كبير من المرشحين الجدّيين في منطقتهما، مقابل زحمة المرشحين في منطقة القيطع، علماً بأن يحيى حلّ أوّلاً بفارق كبير عن سليمان وصل إلى 3802 صوت، وتقدّم على البعريني بـ 4043 صوتاً.
7 – تراجعت أصوات النائب هادي حبيش من 11055 عام 2018 إلى 7546، رغم استنفار الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري لإقناع كل من يمون عليهم بالعمل لمصلحة حبيش.
8 – تراجعت أصوات درغام من 7435 عام 2018 إلى 5754، رغم انحياز هيئة التيار في عكار له، ورغم أنه صلة الوصل بين التيار والمؤسسات الأمنية مع ما لذلك من تبعات انتخابية عكارية لمصلحته.
9 – تراجعت أصوات آل رحال من 1304 نالها النائب السابق رياض رحال عام 2018 إلى 464 صوتاً لنجله زياد رحال عام 2022.
10 – تراجع آل عبود من 4905 أصوات نالها إميل عبود عام 2018 إلى 3384 صوتاً لشقيقه شكيب عبود عام 2022. ومع ذلك، حلّ عبود ثالثاً مسيحياً، خلف مرشحي التيار والقوات، مكرساً آل عبود القوة المسيحية الثالثة في عكار، علماً بأن فوزه بالمقعد الأرثوذكسي الثاني كان محسوماً لو منحه القوميون في عكار كل أصواتهم التفضيلية، إذ كان ينقص اللائحة 87 صوتاً، وينقصه شخصياً 565 صوتاً تفضيلياً ليتقدم على زميله في اللائحة حيدر عيسى.
11 – حافظ جبور على عدد أصواته تقريباً (8986 صوتاً مقابل 8667 عام 2018) ما يشير إلى أن الحملة على التيار تؤثر في بعض العونيين ولا تؤثر في بعضهم الآخر. ومع تثبيت حضوره القوي في بلدة القبيات وجوارها، أظهرت النتائج انتشاراً له على امتداد الجغرافيا العكارية، إذ حلَّ أوّلاً في صناديق الموارنة والأرثوذكس معاً، في سابقة عكارية، وحالت كثرة المرشحين السنّة دون تحقيقه رقماً أكبر في الصناديق السنّية التي أعطته 2367 صوتاً سنياً.
12 – سجّل الحجم القواتي تقدماً طفيفاً رغم المال الانتخابي من 7911 صوتاً عام 2018 للنائب السابق وهبي قاطيشا إلى 8264 صوتاً لمرشحها وسام منصور، مع تراجع ملحوظ في أقلام الناخبين السنّة وتقدم محدود في الأقلام المسيحية لا يشبه ما تسوقه القوات.
13 – حافظ المرشح عن المقعد الأرثوذكسي إيلي سعد على حجم أصواته تقريباً، متقدماً من 1037 صوتاً عام 2018 إلى 1171 صوتاً، فحلّ سادساً بين المرشحين الأرثوذكس، وثبّت نفسه مرشحاً مستقلاً جديّاً مقارنة بالدعم الحزبي المتنوع لسائر المرشحين.
14 – تقدم المرشح محمد حدارة من 1628 صوتاً عام 2018 إلى 5017 صوتاً، مستفيداً من مساعدة شقيقه عضو هيئة الرئاسة في تيار المستقبل سامر حدارة، ومن نشاطه الخدماتي في السنوات الأربع الماضية.
15 – مثّل المرشح محمد بدرة (9302 صوت) واحدة من أكبر المفاجآت، موازناً بين خطاب ثوري تغييري وخطاب إسلامي لصناعة خطاب شعبوي بامتياز، أضيف إليه عصب بلدته مشمش الذي أدى إلى استنفار مغتربي البلدة في أوستراليا لتمويل معركته الانتخابية. هكذا أمّن بدرة لنفسه خطاباً شعبوياً ومالاً للماكينة وعصباً مناطقياً ترجم على نحو خياليّ في الصناديق، ما أدى إلى تراجع البعريني في مشمش (بلدة بدرة) من نحو 2600 صوت عام 2018 إلى نحو 600 صوت فقط. كما نال بدرة أصواتاً كثيرة من قرى بعيدة لا تعرفه وجدت فيه «بديلاً ثوريّاً». كما كرّس بدرة نظرية أن من يصنع الثورة ليس بالضرورة من يستفيد منها. ففي دائرة تضم أكثر من 300 ألف ناخب، لم يحصل رمز «ثورة عكار» غيث حمود سوى على 361 صوتاً، فيما جمع بدرة باسم الثورة التي لم يكن له علاقة بها من قريب أو بعيد أكثر من 25 ضعف ما ناله حمود. كما حظي بدرة بدعم الجماعة الإسلامية التي منحته أصواتها.
16 – على غرار بدرة، حصد المرشح الثالث عن المقعد السني على لائحة البعريني، إبراهيم مصومعي، 7370 صوتاً، وهو رقم لم يكن متوقعاً، من دون أي خطاب سياسي أو مشروع إنمائي أو حيثية خدماتية أو خلفية سياسية، وإنما اعتماداً على المال الانتخابيّ، علماً بأن التقارب في مجموع الأصوات بين مصومعي وحبيش (7546 صوتاً) يؤكد إمكانية الاستعاضة بالمال عن الحضور السياسي والإعلامي والخدماتي والإنمائي.
17 – شكّل رجل الأعمال علي طليس مفاجأة أيضاً بحصوله على 6645 صوتاً، بعدما نجح طليس في استقطاب مفاتيح أساسية في ماكينة المستقبل وعدد مهمّ من ناخبي البعريني، علماً بأنه من بلدة عيون السمك التي تقع في النطاق التمثيلي المباشر للأخير.
18 – رغم التفاوت بينهم، حقّق سبعة مرشحين من الطائفة السنية أرقاماً تفضيلية مهمة (بدرة – 9302، مصومعي – 7370، طليس – 6645، حدارة – 5017، وسيم المرعبي – 5000، عز الدين – 3588، عجاج – 3481) أدخلتهم نادي المرشحين الجديين الذين ستتسابق اللوائح الرئيسية لاسترضائهم في الاستحقاقات المقبلة.
19 – نال هيثم عز الدين، مرشح الرئيس نجيب ميقاتي والمسؤول عن تيار العزم في عكار، 3588 صوتاً (قسم كبير منها من أصوات البعريني)، علماً بأن امتناع ميقاتي عن تمويل اللائحة أربكه وحال دون إكماله المعركة.
20 – رغم حصده خمسة آلاف صوت، فإن المرشح وسيم المرعبي أنهى أسطورة مرشح الجامعة المرعبية التي كانت توهم كثيرين بأن مرشحها يمكن أن يؤمن حاصلاً انتخابياً لنفسه من دون منّة من أحد، في ظل قدراتها الشعبية والقدرات المالية لراعيها رجل الأعمال غسان المرعبي المالية، علماً بأن المرعبي كان مدعوماً أيضاً من بهاء الحريري.
21 – لم يحصد طلال المرعبي المتحالف مع القوات اللبنانية (تسلّم النيابة عام 1972 من والده خالد بيك المرعبي الذي مثّل عكار منذ عام 1934 ثم تسلّمها نجله طارق عام 2018) سوى 3154 صوتاً، ليحل في المرتبة 11 بين المرشحين عن المقاعد السنية الثلاثة. فيما حصد مرشحان مغموران لم يسبق لهم خوض المعترك الانتخابي ضعف ما حصده.
22 – بدوره، أنهى خالد ضاهر أنهى «أسطورة خالد ضاهر». الرجل الذي قدّم نفسه في مرحلة كزعيم للطائفة السنية في لبنان وسوريا وسائر المشرق ظهر ضعيفاً جداً بنيله 2479 صوتاً، فيما حصد مرشح مغمور مثل محمد حدارة 5017 صوتاً.
23 – تقدم المرشح عن المقعد السني على لائحة القوات محمد عجاج (3481) على زميليه المرعبي وضاهر، نتيجة عمله الدؤوب طوال السنوات الأربع الماضية، مستفيداً – للمفارقة – من التسهيلات الخدماتية التي وضعها التيار الوطني الحر في تصرفه. وكان يفترض بعجاج أن يترشح على لائحة التيار، لكنه عدل وذهب باتجاه القوات في اللحظات الأخيرة، علماً بأنه من فنيدق (بلدة البعريني) التي نال نحو 1500 صوت فيها، مستفيداً من خصومات البعريني الكثيرة.
24 -مع حصد مرشحي الحزب الشيوعي ميشال طعوم 834 صوتاً وأحمد مصطفى 489 صوتاً، يمكن تحديد الحجم الانتخابي للحزب الشيوعي في عكار بـ 1323 صوتاً دون أيّ استفادة بالتالي من كل ما حصل في العامين الماضيين.
25 – نالت «حركة مواطنون ومواطنات في دولة» تأييد 865 مقترعاً من أصل 153878، بنسبة 0.279% من الناخبين و0.562% من المقترعين. وتوزعت الأصوات كالآتي: 774 صوتاً للمرشح عن المقعد الماروني رالف ضاهر و91 صوتاً للمرشح عن المقعد الأرثوذكسي نزيه إبراهيم.
26 – قبل 2005، كان رياض رحال يفعل كل ما يلزم للترشح على اللائحة المدعومة من الاستخبارات السورية. عام 2009، ترشح على لائحة تيار المستقبل، وفي عام 2018 ترشح على لائحة التيار الوطني الحر، وفي الانتخابات الأخيرة ترشح على لائحة القوات. لكن مع عدد الأصوات التي نالها، وحلوله تاسعاً بين المرشحين الأرثوذكس، يمكن القول إنه بات خارج قائمة المرشحين الجديين في عكار.
27 – نجح عدة مرشحين في دخول نادي المرشحين الجديين بحصولهم على أكثر من ثلاثة آلاف صوت، كما نجح عدة مرشحين أرثوذكس في تجاوز عتبة الألف صوت، فيما تبيّن أن حجم كل المرشحين الموارنة المناوئين لجبور وحبيش أقل من ألف صوت، ولا يوجد مرشح ماروني جدّي ثالث في عكار غيرهما. وفي الطائفة العلوية، ثبت عدم وجود أيّ مرشح جدي يمكن أن تسعى اللوائح الى اجتذابه، غير المرشح المدعوم من حزب الله والسوريين.
28 – حصد المرشح (المنتسب الى التيار الوطني الحر منذ أكثر من عشر سنوات) عن المقعد علوي حيدر عيسى 3948 صوتاً، أي أكثر من 12 ضعف ما ناله أحمد رستم، المرشح الذي فاز بالمقعد. وقد جمع حيدر ثلاثة أضعاف ما ناله المرشح عن المقعد العلوي على لائحة التيار عام 2018 النائب مصطفى حسين.