Site icon IMLebanon

حروب القرن الـ 21، “بالإنابة من دون غالب ولا مغلوب”

 

 

نعيش اليوم جواً من القلق والهلع، جرّاء مخاطر عدوان جديد وحرب مدمّرة قد تحصل في أيّ وقت، لذا علينا أن نشدّد على أننا في القرن الـ 21، نلاحظ أن هدف الحروب قد تغيّر، وقد أصبحت فقط صندوق بريد للرسائل المباشرة وغير المباشرة، أو وسيلة ضغط قبل المفاوضات الجدّية.

حروب القرن الـ 21 هي حروب بالوكالة، من دون غالب ولا مغلوب، ولا رابح ولا خاسر، لا بل يدفع ثمنها الأبرياء والإقتصادات وتنتهي على طاولة المفاوضات.

لو سألنا أنفسنا منذ نحو خمس سنوات، كم من الوقت تحتاجه روسيا لإقتحام أوكرانيا، وحسم الحرب فيها، لأجبنا بالإجماع، بضع ساعات أو بالأكثر بضعة أيام، نظراً إلى أن الإتحاد الروسي لديه الإمكانات العسكرية المتفوّقة، لا بل من الأقوى في العالم، في مواجهة دولة ضعيفة مثل أوكرانيا لا تملك السلاح، لا الجيش ولا الإمكانات، لتُواجه دولة عملاقة مثل روسيا.

لكن في الواقع، إن هذه الحرب التي إندلعت منذ نحو ثلاث سنوات، لا تزال تتوالى فصولاً، من دون أيّ تقدم من أيّ جهة كانت، ونشهد تدخّلات دولية لتصبح هذه الحرب حرباً بالإنابة بين محورين، والكل يعلم تماماً أنها لن تنتهي عسكرياً لا بل بإتفاق ومفاوضات في الوقت الملائم.
من جهة أخرى، لو سألنا أنفسنا، كم من الوقت الذي يحتاجه الجيش الإسرائيلي لإقتحام غزة، وهي منطقة معزولة ومحاصرة من كل الجهات، ولا يدخلها لا السلاح، لا الذخائر وحتى لا المواد الغذائية ولا الأدوية، فقد يكون الجواب بضع ساعات وبالأكثر أياماً عدة فقط. وها نحن نقترب من الذكرى السنوية الأولى من الحرب الإجرامية التي يشنُّها جيش مدرّب ومسلّح ومموّل ضد مجموعات محاصرة من كل الجهات، ورغم التفوُّق العسكري والمادي، والدعم الدولي، ورغم وقوع أكثر من 50 ألف ضحيّة حتى الساعة، لم تنته هذه الحرب بعد، ولم ولن تنتهي إلاّ بالمفاوضات الشفّافة والبنّاءة.

هذان المثلان المأساويان اللذان نعيشهما اليوم، يُثبتان ويُبرهنان أن حروب القرن الـ 21، هي حروب بالوكالة، وصندوق بريد للرسائل المباشرة وغير المباشرة، حيث تكون بعض الدول دمى متحركة، تُمسك خيوطها الدول العظمى، لأغراض معينة، البعض منها معروف والبعض الآخر مجهول.

حروب هذا القرن هي حروب مدمّرة بإمتياز، تُستعمل فيها أسلحة جديدة، أو بالأحرى تُجرّب فيها أسلحة متطوّرة ومبتكرة، من جهة للتجربة، ومن جهة أخرى لتسويقها. فالوجه الآخر لهذه الحروب، من وراء الستارة، هو إنماء إقتصاد الحرب، وتحفيز صنع وبيع الأسلحة الحديثة. فإقتصاد الحرب جوهري في بعض الدول الكبرى، في جوّ من الركود والتراجع المالي والنقدي والإقتصادي، وتلجأ إليه بعض البلدان الكبرى لإعادة الإنماء، والإستثمارات، في وجه الشلل والجمود والركود الإقتصادي.

في المحصّلة، في هذا القرن، إن هدف الحروب ليس الربح والخسارة، إنما هدفها تحفيز إقتصادات الحرب، وإعادة الإنماء وصنع وبيع وتجارة الإسلحة الحديثة، وتبادل بعض الرسائل المباشرة وغير المباشرة قبل التفاوض، حين يجيء وقته. نتمنّى ألاّ يكون لبنان دمى يلعب بها الآخرون، فيتحوّل من مفعول به إلى فاعل حقيقي، تكون أولويته شعبه وإقتصاده وتراثه.