لبنان من دون رئيس للجمهورية، مرة أخرى.
ثلاثة وعشرون جلسة، والحكاية تتكرر.
والبلاد بعضها يتأفف.
وبعضها الآخر يتململ.
و٨ و١٤ آذار والمستقلون على مواقفهم.
فريق يخاف من الشغور.
وثانٍ يرفض الحضور الى البرلمان، لئلا يشارك في ملهاة باتت ممجوجة.
ولا جلسة، الا اذا انعقدت الآمال على حل لمأزق الحكم، بين كثرة الحضور وقلة الثمار.
وأركان النظام مشغولون في أمور أخرى.
رئيس البرلمان يواجه عقدة الجلسة التشريعية.
ورئيس مجلس الوزراء يعاني من أزمة التعيينات الحساسة، في المناصب الحساسة.
والنواب ضائعون بين شبح الفراغ وعقدة الديمقراطية في بلد الحريات السياسية.
في هذه الأيام الحالكة، برز أمل في البلاد عبّر عنه نائب في البرلمان، دعا الى إطلاق صرخة في آذان الجميع والضمائر.
طبعاً، تمنى حضرة النائب روبير فاضل ألا تكون دعوته صرخة في وادٍ، لكنه أرادها انتفاضة ترمي الى إنعاش سعادة النائب، على حساب تعاسة الشعب.
ويشكر اللبنانيون حضرة النائب، لأنه أدرك، ان الشعب اللبناني ضنين بنظامه الديمقراطي وحريص على جعل المجتمع المدني يؤسس قوة ضغط بحتة، هدفها تأمين إنتخاب رئيس، يقود الجمهورية الى إنتاج نظام يجعل من البلاد، وطناً حياً، لا مجرّد بلد بائس، في الممارسات والأهداف، والتخبّط بين اليأس والقنوط.
كان الرئيس شارل ديغول يرعى الجمهورية الرابعة، وعندما لاحظ انها مصابة بالجمود والإحباط، أطلق الجمهورية الخامسة، وهي لا تزال حيّة، ويتناوب على تأييدها اليمين واليسار، لأنها نظام بلد لا محنة شخص.
واللبنانيون، لا يودّون تعديل النظام أو تغييره، بل يسعون الى جمهورية القانون.
ولو أحجمت الوصايات الأجنبية، عن المداخلات الغريبة عن القانون، والبعيدة من المصالح الذاتية، لكان لبنان واحة حرية وعدالة.
ولو أمعن الجميع، في مغادرة الحاجات الآتية، لكان هذا البلد، مرتعاً للحريات ونجماً لامعاً في محيطه والعالم، بين الأمم والدول.
لماذا تتألب المشاكل التكفيرية على لبنان، ولماذا تظهر بين وقت وآخر، العقد الأمنية.
والجواب ان معظم أهالي النظام انشغلوا عنه، برعاية مصالحهم الخاصة، وتركوا الأمور العامة تسقط في وهاد المنافع وإلاّ لماذا عجزت البلاد، عن وضع قانون انتخابي حديث حتى الآن.
هل يَضفُر اللبنانيون الآمال، لوطن معلّق على قائمة الانتظار، وليس فيه موازنات منذ عقود.
ومع ذلك تسري في البلاد قاعدة التمديد المتكرر للنواب، وأصحاب السعادة، عاجزون عن حلّ مأزق الانتخابات الرئاسية، ولا يسارعون الى اجتراح حلول ناجعة للأزمات السياسية، وفي مقدمتها أزمة الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية.
القصة ليست قصة تجميع نواب في جلسة نيابية، بل قصة الاتفاق على رئيس للوطن، يكون وطناً للنجوم كما كان يقول الشاعر ايليا أبو ماضي.
وأكثر ما يضيم البلد، ان معظم نوابه يردّدون بأنهم ينتظرون ان يختار من في الخارج، رئيسا ينتخبه مَن في الداخل.
وهذه هي علّة العلل في لبنان.