IMLebanon

25 أيار: رئيس لم يتسلّم… رئيس لا يُسلّم

 

تعقد غداً الجلسة الثالثة لانتخاب الرئيس من دون ان تعقد حتماً. الاستحقاق بين أيدي اصحابه الحقيقيين العاجزين عن التفاهم على انجازه. كل يريده على صورته وخياراته. الخارج يكتفي بالتريث حتى إشعار آخر، الا ان رئيس الجمهورية يتحضّر لمغادرة الولاية وقصر بعبدا معاً

 

كانت أمس الجلسة الاخيرة لطاولة الحوار الوطني يرأسها الرئيس ميشال سليمان قبل إنطواء ولايته منتصف ليل 24 ايار. وقد يتعيّن عليه ترؤس جلسة او اثنتين حداً أقصى لمجلس الوزراء، إحداهما يغلب عليها طابع الوداع. كان رئيس الجمهورية اوعز قبل ايام الى لجنة من اربعة خبراء معنيين اجراء جردة شاملة في لوائح مدوّنة على موجودات قصر بعبدا، قطعة قطعة في أجنحته كلها، بغية تسليمها الى خلفه قبيل مغادرته اياه. بيد انه سيكون، اذ ذاك، امام مفارقة غير مسبوقة في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية.

فالرجل الذي لم يتسلم الرئاسة من سلف، قد لا يجد خلفاً يسلمه اياها. بذلك هو الاول في حال كهذه. قبله رؤساء لم يتسلموا من اسلافهم، وآخرون لم يسلموا الى خلفائهم. لم يتسلم الرئيس كميل شمعون عام 1952 من الرئيس بشارة الخوري بسبب استقالته من منصبه، فحلّ قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيس حكومة انتقالية تولت صلاحيات رئيس الجمهورية من غير ان تُخوّله اجراء تسليم وتسلم. فور انتخاب شمعون وضع شهاب استقالة حكومته في تصرفه. الا ان شمعون سلم الرئاسة الى شهاب رئيسا يخلفه عام 1958. تكررت السابقة مع الرئيس الياس هراوي الذي لم يتسلم من سلفه عام 1989 بعد شغور 1988 ثم اغتيال الرئيس رينيه معوض عام 1989، الا انه سلم الى خلفه الرئيس اميل لحود عام 1998. في المقابل تسلم الرئيس امين الجميل من الرئيس الياس سركيس عام 1982، ولم يجد رئيساً يخلفه يسلم اليه الرئاسة، فوقعت في الشغور للمرة الاولى عام 1988. ثم كانت المرة الثانية مع لحود عام 2007 عندما غادر قصر بعبدا بلا خلف.
ليست هذه فحسب حالات التسليم والتسلم. بعضها المنسي ان الرئيس بشارة الخوري لم يتسلم بعد انتخابه عام 1943 ـــ وكان لا يزال في ظل الانتداب ـــ من سلفه الرئيس المعيّن بترو طراد. رئيسان آخران اغتيلا لم يتسلّما من سلف: الرئيس بشير الجميل قبل ان يقسم اليمين الدستورية، والرئيس رينه معوض بعدما اقسم. كلاهما لم يُعطيا ممارسة الحكم.
وحده سليمان من بين نظرائه، منذ ما بعد الاستقلال، جمع في تجربته معظم الحالات تلك: لم يتسلم من احد عام 2008، وسيجد نفسه لا يسلّم أحداً عام 2014. في الأشهر القليلة المنصرمة، قبل تنامي ايحاءات الشغور، فكّر الرئيس في إضفاء طابع احتفالي على التسليم والتسلم في قصر بعبدا بينه وخلفه، بدعوة رؤساء دول وحكومات اليهما.
في الاسابيع الاخيرة حرص رئيس الجمهورية، في اجتماعاته مع السفراء الغربيين ولا سيما منهم ممثلو الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، على توجيه رسائل شفوية اليهم تحض على ضرورة اضطلاعهم بحد ادنى من الجهود للحؤول دون تعثر اجراء الانتخابات الرئاسية، ودخول البلاد في شغور. ابرَزَ لمحدثيه ثلاث حجج تحدوه على مخاطبتهم، اذ وجد الربط بين الشغور المحتمل والاتكال على حكومة الرئيس تمام سلام لملء الصلاحيات دونه عقبات:
اولاها، ان الائتلاف الحكومي بين قوى 8 و14 آذار ليس صلبا بالمقدار الذي يُظن انه كذلك، وان نشوب ازمة في مجلس الوزراء في غياب رئيس للجمهورية من شأنها زعزعة الاستقرار في البلاد. من شأن الشغور وضع الحكومة في موقع حرج يعطل قدرتها مجتمعة على اتخاذ القرار.
ثانيها، ان الاخفاق في التفاهم على انتخاب رئيس جديد ينعكس حتماً على وحدة الحكومة الحالية، ومن ثم نشوء خلافات في ما بين اعضائها، خصوصاً ان أفرقاءها الرئيسيين ينزعون عنها باستمرار صفة «حكومة الوحدة الوطنية» وينعتونها بحكومة ربط نزاع، ما يؤكد اصرارهم على المضي في الخلافات، والتمسك بوجهات النظر والخيارات المتناقضة.
ثالثها، ان من الضروري للبنان ان يثبت انه قادر على الابقاء على تجربته الديموقراطية وممارستها من خلال دوام مؤسساته الدستورية ووجود رئيس للدولة على رأسها.
لم يشأ رئيس الجمهورية في شرح حججه الثلاث تلك حمل السفراء الغربيين على تدخل حكوماتهم في الاستحقاق الرئاسي، بيد أنه اهتم بتوجيه اشارتين: احداهما تحذيره من شغور محقق ما لم يتفق فريقا 8 و14 آذار، ومن ورائهما القوى الاقليمية المؤثرة فيهما، على انتخاب الرئيس الخلف في المهلة الدستورية. والاخرى ان على الغرب الاضطلاع بدور المساعد على المحافظة على الديموقراطية اللبنانية عندما تصبح في خطر أكيد. الا ان سليمان شدد ايضاً امام السفراء الغربيين ــــ وقد لمس تفهمهم وجهة نظره ــــ على ان الخوف من وقوع شغور في رئاسة الجمهورية لا ينتقص من النص الدستوري الذي يملأ فراغ المنصب بانتقال صلاحيات الرئيس الى الحكومة مجتمعة. وهو ما تشير اليه المادة 62. مع ذلك يكمن القلق، في رأيه، في الخشية من ان يشق الشغور طريقاً سهلة الى التوتر بين وزرائها في غياب مرجعية الاحتكام. الدور المنوط برئيس الدولة.
في حصيلة ما أصغى اليه رئيس الجمهورية في أحاديثه مع السفراء الغربيين، موقفان متباينان تماما:
ــــ وجهة نظر جمعت السفيرين الاميركي دافيد هيل والفرنسي باتريس باولي بالقول بضرورة فصل الاستحقاق اللبناني عن سواه من استحقاقات المنطقة السياسية والامنية، وتمسكهما باجراء الانتخابات في موعدها دونما الموافقة على اي تبرير لتأجيلها واهدار المهلة الدستورية. وينتظر مع عودة هيل من السعودية اليوم التي قصدها السبت الماضي زيارته قصر بعبدا لعرض خلاصة جهوده هناك.
ــــ وجهة نظر مغايرة جمعت اكثر من سفير غربي أوحوا باحتمال تأخير انتخاب الرئيس بسبب تأثره غير المباشر باستحقاقي الرئاسة السورية وفي ما بعد رئاسة الحكومة العراقية بعد الانتخابات النيابية الاخيرة. لم يرَ هؤلاء «مصيبة» في تأجيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية في ضوء ما سيسفر عنه الاستحقاقان الاقليميان على صعيد العلاقات السعودية ــــ الايرانية، سواء تفاهما او استمرا في خلافهما على النفوذ في هذين البلدين، وخصوصاً مع بقاء الرئيس بشار الاسد على رأس سوريا ونوري المالكي على رأس الحكومة العراقية الجديدة.