Site icon IMLebanon

الجلسة 29 «كوميديا» سوداء أبطالها المعطّلون

يزداد عدد جلسات مجلس النواب التي فشلت في إنتخاب رئيس للجمهورية مرة تلو الاخرى، لتبلغ الحصيلة حتى يوم أمس 29 محاولة فاشلة لإيجاد رأس للجمهورية، في حين بلغ عدد الايام التي ساد فيها الفراغ الرئاسي 492 يوما. هذا التراكم في الاعداد والمحاولات يحوّل المشهد الإنتخابي إلى كوميديا سوداء، تظهر النواب المعطلين وكأنهم يسعون إلى تسجيل رقم قياسي في كتاب «غينيس« لعدد المرات التي فشل فيها مجلس النواب في إنتخاب رئيس، من دون أن يسبقهم على هذه المحاولة أي مجلس نواب آخر في العالم!.

هذا المشهد الكوميدي سببه درب الفراغ الرئاسي الذي بدأ في 22 نيسان 2014، عند إنعقاد الجلسة الاولى لإنتخاب رئيس للجمهورية قبيل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بشهر ويومين، وكان مرشحا الجلسة الاولى ولا يزالان رئيس حزب «القوات اللبنانية« سمير جعجع كمرشح علني لقوى 14 آذار، والنائب هنري حلو كمرشح «اللقاء الديمقراطي«، ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح« النائب ميشال عون كمرشح ضمني لقوى 8 آذار. إنتهت الجلسة النيابية الأولى لإنتخاب الرئيس الجديد بحصيلة 48 صوتاً لجعجع و52 ورقة بيضاء و16 صوتاً لحلو وصوت للرئيس أمين الجميل وسبع أوراق ملغاة، وأرجئَت الجلسة للأربعاء في 30 نيسان 2014 حيث بات الفوز بالرئاسة 65 صوتا بدل ثلثي أصوات المجلس، على أن يكون النصاب 86 نائبا.

بعد هذه الجلسة بدأ شبح الفراغ والشلل يمتد شيئا فشيئا من رأس الجمهورية إلى أطرافها أي مجلس النواب ومجلس الوزراء، على الرغم من إطلاق العديد من المبادرات المحلية لحلحلة العقدة الرئاسية سواء من قوى 8 أو 14 آذار، وبعد توقيع الاتفاق النووي الاميركي الايراني، تم الاقرار علانية من قبل بعض قوى 8 آذار بأن الإنتخابات اللبنانية هي «صناعة دولية وإقليمية» بعد أن فشل السياسيون في»لبننتها». وعلى الرغم من حضور الإنتخابات الرئاسية كبند أول على جدول أعمال طاولة الحوار ، إلا أن ذلك لم يسعفها في إيجاد حل لمعضلتها وحرص رئيس مجلس النواب نبيه بري على أن تكون مهمة الحوار تهدئة الاجواء الداخلية وتهيئتها لتلقف نتائج التسوية الاقليمية الدولية والتي سيكون إنتخاب رئيس أحد نتائجها، وهذا ما يوافق عليه عضو كتلة «التحرير والتنمية« النائب ميشال موسى، لافتا لـ«المستقبل« إلى أن «غيمة الحراك الدولي لن تمطر رئيسا للجمهورية قريبا في لبنان»، ومؤكداً أن «الحراك الدولي الحاصل يتركز حول أوضاع المنطقة والحرب القائمة على الارهاب وتداعياتها على أوروبا، والواضح أنه ليس هناك إتجاه لتسريع إنتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وبذلك يصبح الحوار الداخلي ضرورة لتخفيف التشنج وتهيئة الارضية بإنتظار حلول موعد إنتخاب رئيس جديد».

على ضفة كتلة «القوات اللبنانية» يبدو المشهد أكثر قتامة لجهة النتائج التي يمكن أن يحملها الحوار الداخلي على صعيد إنتخاب رئيس جديد، إذ يصف عضو الكتلة النائب أنطوان زهرا الحوار بأنه «للتسلية، والدليل هو المواقف الاخيرة لرئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ، أما المساعي الدولية حول هذا الملف فلا تتعدى كونها تمنيات ولم تتحول إلى نقاش جدي مع الدولة المعرقلة أي إيران والاسابيع المقبلة لن تحمل جديدا«. 

دوليا شكل إنعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة فرصة «لتجميع« الآراء الدولية حول ضرورة إنتخاب رئيس، والتي كان أحد مؤشراتها تأجيل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند زيارته للبنان، وتحديد الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني تشرين الثاني موعدا للبحث في الموضوع الرئاسي اللبناني في قصر الاليزيه الفرنسي، ناهيك عن وعود أوروبية ببذل جهود جديدة مع إيران والسعودية للتعجيل في حل هذه الأزمة، يضاف إليها جهود الفاتيكان، كل هذا المشهد يوحي أن الكلام الدولي عن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية إنتقل من مربع «التمني» على الاطراف اللبنانية المعنية بإنتخاب رئيس، إلى مربع «الطلب الجدي» من هذه الاطراف البحث في إنتخاب رئيس، فهل يتحول هذا الطلب إلى «ضغط» على هذه الاطراف لإنتخاب رئيس قريبا؟ 

الجواب عن هذا التساؤل هو إجماع العديد من قوى 14 و8 آذار أن «الجرس الدولي» لم يدق بعد لإنتخاب رئيس، وإن كان كل طرف يرجع السبب إلى عوامل مختلفة، إذ يلفت عضو كتلة «المستقبل« النائب عمار حوري إلى «أن الحراك الدولي اليوم بإتجاه إيران التي تعطل الانتخابات عبر حزب الله وتحتجزه كرهينة لخدمة أهدافها الاقليمية، وبالتالي لا أمل بإعادة لبننة الإستحقاق إلا إذا إقتنع الاطراف المعطلون بهذا الامر، لكن لا أفق لهذا الملف حتى الآن».

ويوافق عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي« النائب هنري حلو على ان موعد»إنتخاب رئيس لا يزال بعيدا»، ويقول «إن الملف اللبناني في آخر أولويات الدول التي تصنع القرار، فالإهتمام الدولي منصب الآن على ملف النازحين، وعلى العراق وسوريا ومحاربة الارهاب، ومايهمهم هو أن يبقى لبنان مستقرا أمنيا، ونأمل أن تفتح الجلسات المكثفة للحوار كوة في جدار الأزمة للوصول إلى حل».

أما على ضفة التيار «الوطني الحر« فيبدو ان «حلحلة عقدة إنتخاب الرئيس مربوطة بالتوافق على مدى تمثيل الرئيس المقبل للمسيحيين»، ويشير عضو كتلة «التغيير والاصلاح« النائب حكمت ديب على أن «إنتخاب رئيس يتوقف على قبول كل الاطراف بحسن تمثيل اللبنانيين للمواقع الموزعة حسب الدستور على المكونات الاساسية في البلد، بمعنى آخر الانتخابات هي صناعة لبنانية يمكن أن تلقى المساعدة من الخارج، لكن المعيار الاساسي هو التمثيل الصحيح للرئيس العتيد ونحن متمسكون بهذه القاعدة وأي أمر يتعارض مع هذا المبدأ ليس موقع ترحيب منا، وبالتالي التصريحات الدبلوماسية الحالية لا «تسمن ولا تغني من جوع «، ولا تخرج عن كونها تصريحات إعتدنا على سماعها منذ بداية الفراغ الرئاسي«.