لم تهدأ الحرب المخابراتية بين الموساد الإسرائيلي و«حزب الله» في أي يوم منذ حرب تموز 2006 في السر وفي العلن. تبادَلَ الطرفان توجيه الضربات الأمنية داخل لبنان وخارجه، لكنهما التزما قواعد اشتباك كانت كفيلة بإبقاء الحدود بين لبنان وإسرائيل هادئة ومستقرة حتى الآن.
ما حصل في القنيطرة أول من أمس يأتي في سياق هذه العمليات المخابراتية، حيث تمكّنت إسرائيل من إغتنام فرصة صيد ثمين واغتيال المجموعة القيادية المشتركة بين إيران و«حزب الله»، وتوجيه رسالة قوية الى طهران بأن تشكيل جبهة في الجولان على غرار جبهة الجنوب، هو خط أحمر ولن تسمح به.
أما في السياسة، فهناك 3 أهداف أساسية دفعت الإسرائيليين إلى شنّ هذا العدوان:
أولاً – محاولة تخريب التقارب الأميركي – الإيراني في المفاوضات النووية والتعاون الأمني، بعدما أصبح ثابتاً وجلياً حِرص إدارة الرئيس باراك أوباما على الوصول إلى تعاون استراتيجي مع طهران.
ثانياً – سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تعزيز شعبيته وحظوظه من خلال هذا النوع من العمليات الهجومية، عشية الإنتخابات الإسرائيلية منتصف آذار.
ثالثاً – إعادة الإعتبار إلى القوات الإسرائيلية ورفع معنوياتها بعد البلبلة التي أحدثها كلام أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله الأسبوع الماضي في الشارع الإسرائيلي.
«حزب الله» يعتبر أن الإسرائيليين غيّروا قواعد اللعبة هذه المرّة، وبالتالي لن تمرّ عملية القنيطرة بلا ردّ. وهنا لا بد أن ينكبّ المعنيّون في قيادة «الحزب» على نقطتَين:
الأولى: إجراء تحقيق ميداني شامل وسريع لتحديد ما إذا كان هناك خرق أمني داخلي سمح للإسرائيليين بالنيل من أحد قادة الحرس الثوري الإيراني العميد محمد علي الله دادي، وجهاد عماد مغنية ومحمد أحمد عيسى ورفاقهم، بمعنى معرفة هل كان هناك أشخاص ساعدوا في تحديد هوية الشهداء وموكبهم ومسارهم، أو أن هناك وسائل تكنولوجية متطورة تمكنت من خلالها المخابرات الإسرائيلية من رصد أهدافها وملاحقتهم.
الثانية: دراسة خيارات الردّ، والإمكانات المتاحة، وتحديد حجم الهدف بما يتناسب مع حجم الشهداء، ومكان تنفيذ العملية المعاكسة.
لكن هل تتطوّر المواجهة إلى حرب بين إسرائيل و«حزب الله»؟
لا أحد يريد حرباً واسعة. فالحزب ليس في وارد المخاطرة بفتح جبهتين ضده في الوقت ذاته، واحدة في مواجهة «الدولة الإسلامية» في سوريا، وثانية ضد إسرائيل، على رغم أن لديه إمكانات إغراق إسرائيل بالصواريخ في حال الحرب، لكن الأثمان ستكون مكلفة جداً بالنسبة إلى النتائج السياسية.
كذلك، لا مصلحة لتل أبيب في شنّ عدوان واسع ضد «حزب الله» ما دام يستنزف قواته وموارده في سوريا دفاعاً عن النظام وفي محاربة «داعش» حسب رأي الإسرائيليين، من جهة، ولا مصلحة لنتنياهو بإغضاب الرئيس أوباما، في حال شنَّ حرباً واسعة وأطاح التقارب بين واشنطن وطهران.
غير أنه من المتوقع أن يستمر نتنياهو في تكرار وتوسيع عملياته الأمنية في سوريا وقطاع غزة وغيرهما، في محاولة لنقل أزمته الداخلية إلى الخارج وخلط أوراق الإنتخابات لصالحه، خصوصاً أن الإدارة الأميركية لن تمانع في بعض الضغط على طهران، بما يُسهّل دفعها الى تقديم تنازلات في المفاوضات.
إن حسابات دقيقة تحكم التوازن العسكري بين «حزب الله» وإسرائيل، وأي خطأ فيها قد يقلب الأمور رأساً على عقب.