“صمود الهشاشة” مصطلح بادر بعض السياسيين الى اطلاقه وصفاً لواقع الحال الذي نشأ في الساحة اللبنانية بعيد مستجدين طارئين: الأول إبصار حكومة الرئيس تمام سلام النور بعد مخاض عسير استمر ما يقارب السنة، والثاني نجاح الخطة الأمنية في طرابلس والشمال بعد اخفاقات متتالية بفعل استمرار الاشتباكات في محاور عاصمة الشمال.
كلا الحدثين شكل مذذاك مؤشرين لـ”ستاتيكو” جديد على الساحة عنوانه العريض العيش والتعايش على حافة الهاوية مع حظر الانزلاق الى الدرك الأسفل أي قعر الانفجار.
وتحت عنوان هذا “الستاتيكو” اندرجت جملة عناوين فرعية إما لتمرير المرحلة، وإما استعداداً للآتي، أبرزها انطلاق حوار “حزب الله – تيار المستقبل” واندفاع الجيش بعزيمة كبرى في رحلة جبه الارهاب على الحدود الشرقية وفي الداخل.
ولكن في الآونة الأخيرة طرأت مستجدات عدّة داخلية واقليمية كبرى في مقدمها حرب اليمن التي شكلت تحديات ثلاثة للوضع وأدخلت جدياً فرضية الاخلال بقواعد هذا “الستاتيكو”، وطرحت إمكان النيل من “صمود الهشاشة” او إمكان التأثير عليه في لحظة معينة.
ويتجسد أول هذه التحديات في استمرار الاستقرار الأمني، واستطراداً استمرار المظلة الأمنية الاقليمية الحائلة دون الانزلاق نحو المهاوي والمفاجآت الأمنية. ولا ريب في أن منشأ هذا التحدي هو استغراق الأوساط السياسية كافة في التمعن في معلومات مكثفة تواترت من أكثر من جهة خلال الأيام القليلة الماضية، فحواها أن الارهاب عاد ليطل مجدداً على الساحة حاملاً معه توجهات جديدة عنوانها الكبير العودة الى أسلوب التفجيرات والاغتيالات وصولاً الى العمليات الانتحارية وما يتبع ذلك من تحريك للخلايا والمجموعات النائمة، وهو ما يتواكب مع التصعيد في المنطقة ويؤذن بالعودة الى مرحلة سوداء شهدتها الساحة قبل نحو عامين. وثمة من ذهب الى الربط بين هذه المناخات وبين التطورات الدراماتيكية التي شهدها سجن رومية خلال الأيام الأربعة الماضية بفعل عودة السجناء الاسلاميين الى ممارسات زمن الامارة في هذا السجن حيث يأخذ هؤلاء حريتهم في التحرك والفعل في الجناح الموجودين فيه وفي حرية الاتصال مع من يريدون من المجموعات العاملة معهم خارج السجن وحضّها على الفعل والاقدام.
واذا كان دقيقاً الكلام بأن قوى الأمن المعنية نجحت في قمع تمرد هؤلاء المساجين الخطرين أم لا، وإذا كان صحيحاً أن الاجهزة الأمنية قد باتت في وضع يؤهلها لمحاصرة حركة الارهابيين خارج السجن والتضييق عليهم، وسواء كانت المعلومات المتواترة مضخمة أم نوعاً من التهويل، أم أنها تحذير وانذار في محله، فمما لا شك فيه أن ثمة تحدياً جديداً يتعين أخذه في الاعتبار لأن أي ضربة قد يقوم بها هذا الارهاب المتربص من شأنها أن تلقي بتداعياتها على كل الاوضاع والمعادلات الأخرى وتنال من”صمود الهشاشة”.
ويتجلى التحدي الثاني في استمرار فريقي الساحة الأساسيين أي “حزب الله” و”تيار المستقبل” في الحفاظ على آخر نقاط الوصل والتواصل بينهما أي حوار عين التينة والحكومة، وهو يعني بشكل أو بآخر عزل الساحة عن الاشتباك اليمني والعصف السياسي الذي نشأ على خلفيته.
المطمئن البادي هو أنه مع كل جولة اشتباك سياسي بين الطرفين ثمة اصرار منهما على القول بأن لا خروج من طاولة الحوار. ولكن في الآونة الأخيرة أرسل كل فريق إشارات انطوت على السلبية، أو على الأقل على التلويح بإمكان مبارحة طاولة الحوار. فـ”حزب الله” أبلغ من يعنيهم الأمر أنه سيواظب على حضور جلسات الحوار الى أن يغادرها الفريق الآخر وهو أمر توقف عنده “تيار المستقبل” وفسره وكأن الفريق الآخر يريد أن يحرجه حتى يجعله يكون البادئ بمغادرة الحوار.
وكلا الأمرين أوحى وكأن ثمة لعبة عضّ أصابع يمارسها الطرفان في الخفاء بانتظار من يخرج أولاً فيتحمل تبعة هذا الأمر ومسؤوليته.
أما التحدي الثالث فهو تحدي بقاء الحكومة بعدما وجّه رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” ميشال عون رسائل فحواها أنه مستعد جدياً للاطاحة بهذه الحكومة اذا ما تم التمديد لقائد الجيش وللمدير العام لقوى الأمن الداخلي.
وعلى رغم أن ثمة ستاراً من الضبابية لا يزال يكتنف مسار هذا الموضوع، فالواضح ان عون بدأ المعركة باكراً جداً وبدا وكأنه يضع الجميع بمن فيهم حلفاؤه أمام أمر واقع بحيث لا يترك لهم الفرصة، فإما ان يكونوا معه أو ضده، وهو يتعاطى مع هذه المعركة وكأنها معركة وجود بالنسبة إليه. وهو ما أوحى بأن ثمة مشهداً تعقيدياً تصعيدياً تدفع الأمور باتجاهه، إلا إذا تمّ تداركه سلفاً، علماً أن لا معطيات ولا مؤشرات حتى الآن توحي بذلك جدياً.
ومهما يكن من أمر، لا بد من المرور بسلسلة اختبارات وتجارب قد تنطوي على مفاجآت.