IMLebanon

3 خيارات أمام المجلس الدستوري: هل تربح المصارف مجدداً في معركة الضرائب؟

هناك خشية جدّية من أن يقبل المجلس الدستوري بالطعن جزئياً بقانون الضرائب، أي الاكتفاء بتعليق سريان المادة المطعون بها، التي ترفع الضريبة على الفوائد من 5% إلى 7% وتعيد تكليف المصارف والمؤسسات والمهن الحرّة بها. إذا حصل ذلك، يكون الطعن المقدّم من عشرة نواب قد انتهى الى إعفاء المصارف من الضريبة المتوجبة عليها

يُنتظر أن يصدر قرار المجلس الدستوري، في 18 أيلول الجاري، في شأن مراجعة الطعن في دستوريّة القانون 45/2017، الذي استحدث وعدّل مواد قانونيّة ضريبيّة، والمقدّمة من نواب حزب الكتائب وخمسة نواب آخرين. يلخّص رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، القاضي غالب غانم، الاحتمالات بالآتي:

1- ردّ الطعن بالكامل، وبالتالي إلغاء قرار وقف التنفيذ وعودة سريان مفاعيل القانون.

2- قبول الطعن بالكامل ووقف سريان القانون.

3- قبول الطعن جزئياً وتعليق العمل بالمادة 17 المطعون بها فقط، أو قبول الطعن جزئياً بالبنود الواردة في هذه المادة التي تلغي إعفاء المصارف والمهن الحرّة من موجب تأدية الضريبة على الفوائد، بذريعة أن شمول هاتين الفئتين بها ينطوي على ازدواج ضريبي.

في احتمالين من الاحتمالات الثلاثة، قد يشكّل قرار المجلس الدستوري، كما الطعن المقدّم، خدمة للمصارف، التي تخوض معركة طاحنة ضد أي زيادة للاقتطاعات الضريبية من أرباحها الطائلة. وفي حال تحقق الاحتمال الثالث، فإن المصارف وحدها ستكون رابحة، في حين أن الضرائب والرسوم التي تصيب الأسر في استهلاكها ومعاملاتها الإدارية ستبقى سارية.

مبدأ العدالة أشمل من مبدأ المساواة

ارتكزت مراجعة الطعن على ما اعتبرته مخالفات للدستور، إذ إن التصويت على القانون لم يحصل بالمناداة على النواب بأسمائهم (المادة 36)، وإن تخصيص الإجراءات الضريبيّة المستحدثة لتمويل السلسلة يناقض شمولية الموازنة (المادة 83)، فضلاً عن أن تكليف المهن الحرّة والمصارف بالضريبة على الفوائد ينطوي على ازدواج ضريبي ينقض مبدأ المساواة بين اللبنانيين (المادة 7 والبند ج).

يقول القاضي غالب غانم إن «كيفيّة التصويت على القانون مخالفة للمادة 36 من الدستور، وعلى هذا الأساس قد يقبل المجلس الطعن شكلياً، ولو أنه احتمال بسيط، فيعيد القانون إلى مجلس النواب من دون التعرّض لأساسه أي مخالفة الضرائب للدستور، وذلك لإعادة التصويت عليه كما ينصّ الدستور. أمّا في ما يتعلّق بالمادة 83 التي تتحدّث عن مبدأ شمولية الموازنة ووحدتها، فإن القانون يراعيها كون الضرائب ليست مخصّصة لتمويل السلسلة، بل ستدخل ضمن الموازنة، وتقتطع منها لتمويل السلسلة، وتالياً إن الهدف من إضافة هذه الضرائب هو عدم الوقوع في عجز، وهو لا يتنافى مع مبدأ شمولية الموازنة. أمّا المادة 7 التي تتحدّث عن المساواة بين اللبنانيين فهو مبدأ عام لا علاقة له بالضريبة، في حين أن البند (ج) من مقدّمة الدستور الذي ينصّ على العدالة الاجتماعيّة والمساواة، قد يكون مدخلاً للمجلس الدستوري للبحث بمدى دستوريّة القانون، باعتبار أن فرض الضريبة يستند إلى جدواها الاقتصاديّة، وله علاقة بالعدالة الاجتماعيّة، تماماً مثل الضريبة التصاعديّة، بحيث يكلّف الغني بمعدّل ضريبة أكبر من الفقير، وفي حال مساواتهما، نكون قد ضربنا العدالة بالمساواة، علماً بأن مبدأ العدالة هو أشمل من مبدأ المساواة. وتالياً، إن التذرع بوجود ازدواج ضريبي يطال فئات معيّنة، قد يكون الركيزة لإبطال القانون جزئياً، كما حصل في قراري المجلس الدستوري في شأن قانون الإيجارات وقانون الـ TVA سابقاً. عندها يردّ القانون إلى مجلس النواب، الذي يقلع عن البحث في هذه الضريبة، ويبحث في مصادر تمويل أخرى».

تهرّب ضريبي مزمن!

يقول المعنيون في حزب الكتائب إن هدفهم من تقديم مراجعة الطعن هو السعي الى رد القانون بمجمله، وإن موقفهم المؤيد لفرض الضرائب على المصارف عبّر عنه نواب الحزب في الجلسة التشريعية، وبالتالي لا يجوز اتهام الحزب بالعمل لمصلحة المصارف. بهذا المعنى، يريد مقدّمو الطعن أن يتم التعامل مع مراجعتهم استناداً الى “النوايا” لا الى الآلية المعتمدة ونتائجها المحتملة، ولكنهم لا يقدّمون أي جواب عن موقفهم في حال قرر المجلس الدستوري الطعن فقط بالبند المتعلق بتكليف المصارف والشركات والمهن الحرة بضريبة الفوائد التي يسدّدها المودعون، أو بالأحرى، يجيبون أنهم لم يكونوا على علم بهذا الاحتمال!

في الواقع، تسعى المصارف بكل نفوذها الى التهرب مجدداً من تسديد هذه الضريبة، وهي نجحت سابقاً وتراهن على النجاح الآن، ولا سيما أن سبل التهرّب مسدودة إلا في حال قرر المجلس الدستوري قبول الطعن بالقانون كلّه أو بهذا البند فقط.

في عام 2004، أي بعد صدور قانون موازنة عام 2003 الذي نصّ على فرض ضريبة على الفوائد المصرفيّة بنسبة 5%، استطاعت المصارف التهرّب عبر تعديل القانون بقرار صادر عن وزير المال آنذاك، فؤاد السنيورة، يعفيها من موجب تأديتها على توظيفاتها في سندات الدين بالعملة الأجنبيّة (يوروبوندز).

مع بدء البحث في مشروع قانون موازنة 2017 والإجراءات الضريبيّة مطلع هذا العام، شكّلت المصارف مجموعة ضغط للغاية نفسها. وهذا ما وثّقته المذكّرة التي رفعتها جمعيّة المصارف في شباط الماضي إلى وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشكت فيها الإجراءات الضريبيّة التي ستطال أرباحها، ومن ضمنها زيادة معدّل الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الماليّة والسندات لدى المصارف من 5% إلى 7% وعدم حسمها من ضريبة الأرباح، واعتبرت أن ذلك ينطوي على «ازدواج ضريبي كونها ستكلّف بضريبة الفوائد، وستكلّف مرّة ثانية بضريبة على الأرباح، فيما تقتطع حالياً الضريبة على الفوائد ثمّ تنزلّها من ضريبة الأرباح».

الضريبة على الفائدة: في الاقتصاد والقانون!

يشرح الخبير المالي شربل قرداحي، الازدواج الضربيي بأنه عمليّة فرض “أكثر من ضريبة واحدة من نوع واحد على مصدر واحد للدخل في فترة زمنيّة محدّدة”. وتالياً في حال اختلف نوع الضريبة المكلف بها، كأن يدفع المكلف الضريبة عن دخل يتأتى من عقار يملكه، وأخرى عن دخله من مهنته الحرة، وأخرى على فائدة الأموال الموظّفة في مصرف، “لا نكون أمام حالة من الازدواج الضريبي”.

يختلف القانونيون والمحاسبون في مدى انطباق حالة الازدواج الضريبي على تطبيق المادة 17 من القانون 45/2017، باعتبار أن لا الدستور ولا القانون ينصان صراحة على تعريف “الازدواج الضريبي” ومنعه، إلا في حالة الاتفاقيات الثنائية مع بعض الدول لمنع الازدواج الضريبي بينها. ولكنهم يتفقون على أن الاستناد الى مبدأ “المساواة” في الدستور للطعن بالازدواج الضريبي هو ضعيف وغير مقنع للأسباب التي شرحها القاضي غانم.

التعديلات التي أدخلتها المادة 17 من القانون المطعون به قضت باحتساب ضريبة الفوائد كعبء عادي ينزل من الأرباح بدلاً من احتسابها سلفة على حساب ضريبة الأرباح كما هو معمول به حالياً. وتزعم المصارف أن ذلك يؤدي الى تكليف الفوائد لضريبتين، واحدة بنسبة 7% عبر الضريبة على الفوائد وثانية بنسبة 17% عبر الضريبة على الأرباح. وبحسب مذكرة لجمعية المصارف “تؤدي هذه الطريقة في الاحتساب إلى خرق المساواة بين المصارف نفسها، إذ تؤدي إلى أعباء ضريبية أكبر على بعض فئات المصارف، وخاصة تلك التي تحمل في محافظ توظيفاتها نسبة عالية من سندات الخزينة وشهادات الإيداع المحررة بالليرة اللبنانية”.

يؤيد المحامي أنطوان شنيعي، المتخصّص في القوانين الضريبيّة، ما تدعيه جمعية المصارف، ويقول إن «هناك ازدواجاً ضريبياً يطال أصحاب المهن الحرّة والمصارف والمؤسّسات، كونهم يخضعون لضريبة على إيرادات أعمالهم، ويخضعون لضريبة الباب الثالث (فوائد الأموال المنقولة وسندات الدين…)، ليضاف من بعدها صافي أرباحهم المتأتي من الفائدة إلى الأرباح المكلّفة بضريبة الباب الأول (ضريبة أرباح الشركات التجاريّة والمهن)، ما يعني أنهم سيدفعون ضريبتين على الدخل نفسه، مرّة عند اقتطاعها من الفائدة، ومن ثمّ عند اقتطاعها من مجمل الأرباح». ويرى شنيعي أن «هناك استحالة لتطبيق هذا القانون، كون آليات تطبيقه واحتساب الضريبة لم تحدّد بعد، فضلاً عن أن قانون السريّة المصرفيّة سيشكّل مهرباً من دفع الضرائب، كما يمكن التلطي بالحسابات المشتركة التي لا يمكن الاطلاع عليها إلّا بموافقة كلّ المشتركين فيها للغاية نفسها».

في المقابل، يشير قرداحي إلى أن «شروط الازدواج الضريبي غير متوافرة. وإذا أخذنا المصارف كمثال، فإن الضريبة على الفائدة تطال منتجاً مستقلاً يتم تداوله في السوق»، ويتابع قرداحي «عملياً، لا يوجد ازدواج ضريبي حيث الخيار حرّ، فالمصارف التي تموّل الاقتصاد، عبر القروض التجاريّة والصناعيّة وقروض الأعمال، وتتحمّل المخاطر الناجمة عن المهنة من دون أن تشتري سندات دين حكوميّة، حيث لا جهد خاص وحيث نسبة المخاطر منخفضة، لن تدفع هذه الضريبة وستكتفي بدفع الضريبة على الأرباح، وإلّا تكون المصارف التي تموّل الاقتصاد ضحية قانون جائر وضع لمصلحة المصارف التي تأخذ الودائع لشراء السندات. والفارق الجوهري هو أن الضريبة على الفائدة تطال منتجاً مالياً لدى شرائه، والعائد الصافي لهذا المنتج معروف قبل الدخول بعملية الشراء، فيما الضريبة على الأرباح تطال خالص العمليات الاستثماريّة والتمويليّة والتجاريّة ولا صلة لها بالفائدة موضوع الطعن. وإلّا كيف نفسّر خضوع فئات واسعة (شركات تجاريّة وأفراد) لهذه الضريبة منذ عام 2003».

الحزب الشيوعي ينتقد الهندسة المالية:الطعن في ضرائب المصارف مرفوض

رأى الحزب الشيوعي اللبناني “أن سلة الضرائب التي أُقرّت على أرباح المصارف والشركات المالية والفوائد وعلى الربح العقاري، يجب أن تبقى، بل أن تُزاد معدلاتها”. وأعلن الحزب رفضه القاطع لكل المحاولات التي تصبّ في اتجاه إلغاء سلة الضرائب هذه، “سواء عبر الطعن المقدم من النائب سامي الجميّل والنواب التسعة الآخرين إلى المجلس الدستوري، تحت ذريعة عدم دستورية الازدواجية الضريبية، أو عبر الضغط والتهويل الذي تروّج له الهيئات الاقتصادية، والرامي بشكل أساسي إلى شطب الضرائب التي أقرّت على أرباحهم، ومنها الضريبة على فائدة السندات التي يحملونها ويجنون الأرباح الطائلة منها”. ودان الحزب جميع المحاولات هذه، من أي طرف أتت، وتحت أيّ ذريعة كانت، إذ آن الأوان بعد 25 عاماً من استمرار تراكم الثروة لدى القلة أن تدفع ما يجب عليها من الضريبة، وفي إطار نظام ضريبي تصاعدي على الأرباح بمعدلات عالية.

وحذر البيان الصادر عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني من المنحى الخطير على البلاد الذي اتخذته التطورات والمواقف من القضايا الاقتصادية ــ الاجتماعية، التي حصلت بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب. كذلك حذر من زيادة الأقساط المدرسية واستعمالها كسلاح، “كما استُعمل سلاح tva والرسوم لتأليب الفئات الشعبية ضد العمل النقابي وضد بعضهم البعض”.

ورأى الحزب في ما يسمى “الهندسات المالية”، التي قام بها مصرف لبنان أخيراً، ويعتزم الاستمرار فيها، مؤشراً على عمق أزمة النموذج الاقتصادي اللبناني. واعتبر أن “هذا الحل المالي لأزمة ميزان المدفوعات ولتراجع تدفق الودائع ورؤوس الأموال الخارجية يتم على حساب المال العام وميزانية المصرف المركزي، الذي هو مرفق عام، لمصلحة أرباح استثنائية للمصارف، تقدر حتى الآن بـ5.6 مليار دولار”.