3 قواعد لـ«حزب الله» للتعامل مع العواصف: الهجوم لا الدفاع وضمان الاستقرار وحماية البيئة الحاضنة
المواجهة الأميركية ـــ الإيرانية حتمية.. وعجز ظاهر عن فك طلاسم خطة ترامب
«لقاء كليمنصو» لاحتواء اللحظة الحرجة .. وتقوية الحريري لتحمّل الضغط الآتي من الحلفاء والخصوم
المواجهة الأميركية مع إيران و«حزب الله» الجارية على خطين متكاملين باتت أمراً محسوماً ومؤكداً وجلياً. ما هو غير واضح حتى الآن هو سقف المواجهة الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته والكونغرس. وما يقلق إيران و«حزب الله» عدم قدرتهما حتى الآن على فك طلاسم الخطة الأميركية بأهدافها ووسائلها كافة، وما إذا كان المسار هو مسار متدّحرج لمواجهةٍ تبدأ بوسائل «القوة الناعمة» لتتطور إلى وسائل أخطر تتخطى «القوة الخشنة» في الساحات المفتوحة التي يقاتل فيها هذا المحور، أم أنه يندرج في إطار لعبة لَيْ أذرع وعض أصابع لتحسين شروط التفاوض المستقبلي بين الجانبين الأميركي والإيراني، ما يعني أن ثمة ضوابط لا بد من أن تكون مرسومة أميركياً. وحتى لو كان الاحتمال الثاني هو الغالب في قراءة «حزب الله» وراعيه، إلا أن هذا لا يحجب مخاوف لديهما من أن لا تبقى وسائل المواجهة ضمن إطار محسوب وأن يُقدم أحدٌ ما على «دعسة ناقصة»، ولاسيما أن الاستراتيجية الأميركية بذاتها لا يبدو مآلها النهائي متبلوراً عند صانعيها.
يدرك «حزب الله» أنه رأس الحربة في استهداف أذرع إيران العسكرية، وأن هناك رفعاً لوتيرة التصعيد بالوسائل ومحاولة ابتداع وسائل جديدة أكثر تأثيراً. فإلى العقوبات، هناك سعي أميركي لجعل الاستهداف دولياً عبر الضغط أوروبياً لتعميم المعايير من خلال عدم الفصل بين جناحي الحزب السياسي والعسكري، ومن خلال خلق تحالف دولي لمحاربته ضمن إدراجه كمنظمة إرهابية في ظل الاقتناع أن محاولات واشنطن استخراج قرار أممي بهذا الشأن سيصطدم بمعارضة على أقله روسية إن لم تكن أيضاً أوروبية.
وإذا كان بعض مناهضي «حزب الله» يرون أنه يكابر تجاه ما ينتظره من ضغوطات بدءًا بالعقوبات الأميركية ضده، فإن جهات لصيقة بالحزب تعتبر أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أقر بأن العقوبات سيكون لها مفاعيل سلبية على الحزب لكنه سيتعامل معها على قاعدة الحد من الأذى الذي ستحدثه على مستواه، وهو يدرك أنه وُضع تحت مجهر التصويب الإعلامي والسياسي الدولي بغية تأمين شرعية للهجوم عليه.
من هنا، ترى تلك الجهات أن «حزب الله» وضع ثلاث قواعد أساسية للتعامل مع «العواصف» تدخل في خانة إمتصاص الضربة:
أولى هذه القواعد هي العمل على التكيّف مع الضربة وترتيب «البيت الداخلي» في إطار الحد من الضرر لتبقى آليات عمله فعّالة مهما جرى ابتداع من وسائل للاستهداف المالي والاقتصادي. وهو يعتبر أنه قادر على تحمّل تبعات تلك العقوبات عليه والتعامل مع تداعياتها. لكن ما يُشكّل له خطاً أحمر يتمثل بأن لا تمسَّ العقوبات القواعد المجتمعية للبيئة الحاضنة له ومنظومة حياة الناس في الطائفة الشيعية بشكل خاص، رغم إدراكه أن المسألة هنا ستترك انعكاساتها في السياق الوطني على لبنان عموماً.
أما ثاني هذه القواعد، فهي الحفاظ على «الستاتيكو» القائم، ذلك أن الاستقرار في البلد بما يشكله من مظلة آمان هو مسألة جوهرية له في هذه اللحظة وأولوية، حتى لو كان ثمن ذلك أن يخطوَ خطوة إلى الوراء ويسير في تنازلات في الداخل مهمة لتحقيق هذا الهدف. فما يهمه راهناً هو صون المساكنة السياسية والإبقاء على الحكومة وعلى الاستقرار الأمني وعدم حصول انهيار مالي واقتصادي في البلاد. وفي هذا الإطار ينظر مراقبون على مقلب «حزب الله» أن «لقاء كليمنصو» الذي جمع كُلاًّ من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط يأتي في سياق ما يصفه هؤلاء بـ« احتواء اللحظة الحرجة والضاغطة على «حزب الله» ومخاطرها ومحاولة ترتيب الوضع الداخلي وتحصينه للتخفيف من حدة الواقع السلبي الذي يتوقع أن ينشأ بفعل الحرب المعلنة على الحزب. وتكمن محاولات استيعاب الوضع من باب «تقوية الحريري ومساندته على تحمّل الضغط الآتي من الحلفاء كما الخصوم بفعل اللحظة الحرجة». ولا تخفي الجهات اللصيقة إشارتها الإيجابية بتماسك الحريري وصموده حتى الآن في وجه الضغط الذي يواجه على غير صعيد، وهو بصموده هذا يمثل حال التلاقي بين اللبنانيين على نقيض موقفها السياسي ويساهم في تأمين دعائم الاستقرار ومظلة الحماية.
أما القاعدة الثالثة والأهم بالنسبة للحزب، فهي عدم التحول إلى سياسة الدفاع والإستمرار في حال الهجوم. وهذه الاستراتيجية تنبع من إقتناعه بأن الدور المؤثر الذي يؤديه في مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة هو الذي يستدعي هذه الهجمة، وبالتالي، فإن التعاطي مع الهجمة لا يجب أن يكون بمنطق الدفاع بل بمنطق تحفيز الأداء وإستكمال سياسة أو خطة الهجوم بغية مراكمة ما يصفونه «المزيد من الانجازات الميدانية في ساحات المواجهة المفتوحة».
ما هو لافت في تقييم الجهات اللصيقة بـ«حزب الله» إعتبار الحزب أن الاتجاه الأميركي يكمن في استخدام وسائل «القوة الناعمة» ضده في الساحة اللبنانية والذهاب إلى «القوة الخشنة» على الساحات الأخرى حيث يتواجد الحزب، والتعامل الأميركي معه يتم على أنه شأن فوق ما هو لبناني. تلك النظرة للحزب لا تنطبق على إشتباكه مع الأميركيين فحسب، بل أيضا مع الخصم الإقليمي الذي تمثله المملكة العربية السعودية. وتعتبر تلك الجهات أن الجملة الشهيرة لنصرالله يوم انخرط في الحرب السورية والتي قال فيها تعالوا نتقاتل في الساحات التي هي خارج لبنان، تجسد موقف المحور الذي ينتمي إليه الحزب أنه لا يريد أن يشتبك مع السعودية في لبنان!.
على رغم التحديات التي تعتري «حزب الله»، فإنه يرى أن هناك ربط نزاع إقليمي ودولي كبير في البلد تمنع انفلات المواجهة داخلياً، وتشي بأنه ليس هناك من يريد أن يأخذ ساحة النزاع في لبنان الى افق غير محسوب. فالاميركيون موجودون بشكل مباشر في لبنان ويثبتون قاعدة حضورهم العسكري، تماماً كما هو حال قوات الطوارىء الدولية والتأكيد على القرار الدولي 1701 واستبعاد نشوب حرب إسرائيلية. كلها عوامل تطمئنه إلى أن الوسائل التي ستستخدم والتي يتم ابتكارها لن تصل إلى حدود «تأثير كاسر» على الحزب ووضعه. غير أنه يتوجّس من سيناريو واحد، وهو استخدام النزوح السوري كقاعدة لتفجير لبنان بالمعنى الأمني عبر عمليات «إرهابية» لكن حينها لن تنحسر تداعياتها على الحزب وبيئته، بل تفتح لبنان بأسره على المجهول!