لم يُجلِ الاتفاق النوَوي الغموضَ حول مستقبل الشرق الأوسط، ولم يُنهِ الشق السرّي منه التهديدات العسكرية والأمنية، كما أنّ الإيرانيين لم يعطوا أيَّ إشارات عن استعدادهم لتغيير سياساتهم وسلوكهم بعد توقيع الاتفاق الذي لم يُسعِد لا الإيرانيين المحافظين ولا الدوَل العربية. ويتوقّع الطرفان مواجهات إضافية في المنطقة، حسبَ تقارير غربية.
لكنّ تحوّلات ميدانية بدأت تظهَر في المنطقة:
1- في اليمن، خسرَ الحوثيون في أربع ساعات ما ربحوه في أربعة أشهر. نجَحت القوات المدعومة من السعودية في استعادة مدينة عدن وتوجيه ضربة ميدانية للحوثيين، ما منحَ التحالفَ انتصارَه الكبير الأوّل، في حملته الهادفة إلى احتواء التمرّد المدعوم من إيران. وترَدَّد أنّ هذا التحوّلَ هو نتيجة تفاهمٍ سرّي بين أميركا والسعودية على مرحلةِ ما بعد الاتفاق النووي.
2- في سوريا، حصلت صفقةٌ سرّية بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، دفعَت بالأتراك إلى تبديل أولوياتهم السياسية ومواقفِهم العسكرية، مِن دون أن يُعرَف ما هي الصفقة وما هو الثمن الذي سيتقاضاه الأتراك في المقابل.
غير أنّ ما هو مؤكّد حتى الآن، أنّ أنقرة وواشنطن تريدان تحويلَ شمال سوريا إلى منطقة خالية مِن مسَلّحي «داعش»، وتوفيرَ غطاءٍ جوّي للمعارضة السورية المعتدلة، واستخدامَ الضغط العسكري المتزايد على النظام السوري في اتّجاه القبول بمفاوضات جدّية تؤدّي إلى تسوية حقيقية.
ويَعتبر الأميركيّون أن التدخّلَ التركي ستكون له تأثيرات مهمّة على الحرب في سوريا، وستؤثّر على نظام القيادة والسيطرة لـ«داعش»، وتضرب خطوطَها اللوجستية، في وقتٍ تعاني «داعش» أصلاً من خسائر ثقيلة.
كما أنّ فتحَ قاعدة أنجرليك وأخواتها أمام طيران الحلفاء سيؤمِّن سيطرةً جوّية وكثافة طلعاتٍ وخَفْضَ الكِلفة المادّية والاستغناءَ عن طائرات تزويدِ الوقود جوّاً. «داعش» ستردّ باستهداف الداخل التركي، وهذا ثمنٌ تدرك أنقرة جيّداً أنّ عليها أن تتحمّله، لكنّها في المقابل تنتظر جائزةً لم يُكشَف عنها بعد.
في التسريبات الغربية، أنّ الأتراك أعطوا الأميركيين ما يريدون، وفي المقابل واشنطن قد تبَدّل موقفَها من دعمِ المعارضة السورية في الشمال، وأنّ منطقة حظرٍ جوّي على الحدود التركية السورية أصبحَت جزءاً مِن التفاهم بين واشنطن وأنقرة وتمّ إطلاعُ موسكو على ذلك. كذلك حرّكَ الجيش التركي القوّات المناسبة لفرضِ منطقةٍ عازلة على الحدود.
هذا التحَوّل التركي يُقلِق «داعش»، ويُزعج دمشق في آنٍ واحد، إذ إنّه يَسحب من يَد النظام السوري ورقةً ثمينة كان يسعى إلى تسويقها دولياً: «إمّا داعش وإمّا التعاون مع دمشق لمحاربة الإرهاب». وفي الوقت ذاته، يُريح التدخّلُ التركيّ المعارضةَ السورية مِن استنزافها في مواجهات مع «داعش»، ويعزّز وضعَها في التركيز على مقاتَلةِ جيش النظام وحلفائه.
تَعتمد واشنطن أكثرَ فأكثر على «دبلوماسية التفاهمات السرّية» مع حلفائها وأعدائها، على غرار الصفقات الثلاث المنفردة مع إيران والسعودية وتركيا حتى الآن.
أمّا في لبنان، فلا حديثَ إلّا عن الزبالة، ولا همَّ يَعلو فوق الزبالة. لا مركزيةُ الزبالة أفلحَت، ولا لامركزيةُ الزبالة نجحَت. ويكاد لبنان يَربح جائزة غينس للأرقام القياسية لتفَرُّدِه عالمياً في نسَبِ الأزمات والفساد والعجز وتفَشّي ظاهرة « كِلّ ديك على مزبلتو صيّاح».