في الذكرى الثالثة لتوقيع اتفاق المصالحة المسيحية ـ المسيحية في معراب، تطرح أسئلة كثيرة حول ما إذا كان لا يزال هذا الإتفاق على قيد الحياة، بعد نعيه أكثر من مرة من قبل بعض من وقّع عليه، خصوصاً وأن هذه العلاقة كانت عرضة للكثير من التجارب المريرة.
وفي هذا السياق، لفت مصدر قيادي قواتي، إلى أن العلاقة ما بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» شهدت في مرحلة ما بين الإنتخابات النيابية وإنهاء العقدة المسيحية، مرحلة من المواجهة السياسية، ذكّرت البعض بزمن المواجهات ما قبل المصالحة، حيث اعتقد البعض أن العلاقة بينهما عادت إلى مرحلة التوتر، وأن المصالحة قد سقطت، وأن الذكرى الثالثة لإعلان المصالحة ستكون ذكرى من دون إعلان، لأن كل ما تم بناءه انتهى، وعادت العلاقة إلى المرحلة التي سبقت المصالحة، لكن كل هذا الظنّ لم يكن في محله، بدليل أن الدكتور سمير جعجع كان أول من غرّد صباح يوم 18 الجاري، بتوجيه تحية إلى هذه المصالحة التاريخية، التي هي مصالحة من اجل المستقبل لطي صفحة الماضي، لأن الشعوب لا يمكن أن تتقدّم وتزدهر إلا من خلال التطلّع إلى الأمام. وقد جاء الردّ سريعاً من قبل رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، بالتأكيد على أهمية هذه المصالحة، وفتح الباب أمام مساحة تفاهم مستقبلية بين «القوات» و«التيار»، الأمر الذي يؤكد، كما أضاف المصدر القيادي على ثلاثة مسائل أساسية:
أ ـ إن المصالحة ثابتة وراسخة، وعلى رغم الخلافات السياسية التي تعصف أحياناً بين الطرفين لا يمكن العودة إلى ما قبلها، وهناك حرص كبير من قبل «القوات» و«التيار» على الحفاظ عليها، وتحصينها وتثبيتها وعدم العودة إلى مرحلة الماضي، وبالتالي، هذا الأمر تأكد حيث بقي الحرص على التواصل قائماً على الدوام.
ب ـ إن الإتفاق السياسي بين الطرفين انتهى، ولم يعد قائماً، أي التفاهم الذي على أساسه انتخب الرئيس ميشال عون، وهو من متمّمات المصالحة في شقّها السياسي، وليس بشقّها القِيَمي الإنساني الذي له علاقة بالمصالحة إنما بالشق الإنساني، حيث يمكن القول أن تشكيل الحكومة لن يتم على قواعد التفاهم الذي تمّت صياغته، وإنما تمّت على قاعدة نتائج الإنتخابات النيابية، وبالتالي، تمّ التنصّل من التفاهم، علماً أن الظرف ليس ملائماً اليوم للكلام حول من يتحمّل مسؤولية إسقاط الشقّ السياسي، ولكن هذا الشقّ لم يعد قائماً في هذه المرحلة.
ج ـ إن أي خلاف يقع بين الطرفين، سيبقى ضمن حدود الملف المختَلَف حوله، بمعنى أن الخلاف حول ملف الكهرباء على سبيل المثال، سيبقى محصوراً ضمن هذا الإطار، ولا يعني إعادة النظر بالعلاقة برمّتها بين الطرفين، وعليه، فإن ما حصل يؤكد مجدّداً بأن المصالحة راسخة وثابتة، والإتفاق السياسي لم يعد موجوداً، كما أن أي خلاف بالنسبة للطرفين، يجب أن يبقى محصوراً ضمن اطره الضيقة بعيداً عن ثلاثة محاذير أساسية، وهي، الشيطنة، والقطيعة السياسية، ومحاولة إلغاء الآخر، وتطويعه أو تحجيمه.
وأكد المصادر القيادي القواتي، أن الحياة السياسية تتّسع للجميع، وأن الديمقراطية هي التي تقرّر الأحجام، وعلى الجميع التسليم بهذه القاعدة، خصوصاً وأن ما حقّقته هذه المصالحة على المستوى الميثاقي ليس بالقليل، إذ أنها أعادت التوازن بين الرئاسات الثلاث، خاصة وأن هذا التوازن كان مفقوداً منذ العام 1990، حيث أنه للمرة الأولى هناك رئيس تمثيلي مسيحي يوازي رئيس الحكومة السنّي ورئيس مجلس النواب الشيعي في التمثيل السياسي. كذلك، للمرة الأولى، هناك توازن على المستوى البرلماني من خلال قانون الإنتخاب الذي لم يكن من الممكن إقراره لولا التحالف ما بين عون وجعجع.
ويبقى السؤال، حول مستقبل وكيفية توصيف هذه العلاقة، حيث يمكن القول أن اجتماع بكركي الأخير قد أعاد تنشيط العلاقات الثنائية، لأن لجنة المتابعة التي ستشكّل في هذا الإطار، ستمكّن القوى السيحية الحزبية أن تلتقي مع بعضها البعض، وبالتالي، لم يعد السؤال عن عدم اللقاء وعدم التواصل بين «القوات» و«التيار»، بل أصبحت لجنة بكركي قادرة على تأمين التواصل، وكسر القطيعة، لأن المطلوب هو التقاطع وفق الملف، وحصر الخلاف أيضاً وفق «الملف»، ولا يجب أن يمتد إلى مجمل العلاقة.
وبالتالي، فإن عودة التواصل يتم من الآن وصاعداً تحت سقف بكركي، حيث ستتحمّل القوى المسيحية مسؤوليتها من أجل إعادة توحيد أفكارها، وتحييد ملفاتها الخلافية عن علاقاتها السياسية، لذا، فإن المرحلة المقبلة مفتوحة على مزيد من توحيد أواصر العلاقة، إنما يبقى الأساس عدم العمل لإلغاء الآخر تحت أي عنوان أو حجّة، فالمصلحة المشتركة تقتضي التعاون والتفاعل والإتعاظ مما تحقّق من أجل تحقيق المزيد للمستقبل، لأنه ارتكازاً إلى ما تحقّق، فقد كان من غير الممكن ذلك لولا تضافر جهود الفريقين وتعاونهما وتفاعلهما.