ينتظر أن تنجز لجنة العفو برئاسة القاضي كلود كرم، اليوم، ملف العفو الخاص الذي سيصدره رئيس الجمهورية ميشال عون، ويتناول 300 محكوم وموقوف تقرر إطلاقهم في سياق خطة مواجهة جائحة كورونا، والحؤول دون تفشيها في السجون اللبنانية المكتظة
أنهت النيابة العامة التمييزية مراجعتها ملف العفو الخاص، وأبدت رأيها فيه، وأحالته الى لجنة العفو برئاسة القاضي كلود كرم الذي سيحيله بدوره الى وزيرة العدل ماري كلود نجم، فترفع لائحة بالمحكومين والموقوفين المرشحين للإفراج عنهم الى رئيس الجمهورية ميشال عون. يوافق على اللائحة أو يستثني أحداً منها، ويعيدها الى الوزيرة كي تعدّ مرسوماً نهائياً لتوقيعه إياه وإصداره.
لم يعد الوقت بعيداً لطيّ هذا الملف الذي يدين لجائحة كورونا بوضعه موضع التنفيذ. وهو في اي حال – بحسب نجم – ليس ملفاً سياسياً كي يستثمره اي من الافرقاء. يبرره الوباء والتخوف من وصوله الى السجون وتفشيه بين المسجونين. لا احد من بين المرجح اطلاقهم، ويقاربون 300 محكوم وموقوف له ملف مرتبط بجرائم أو الارهاب أو الاتجار بالمخدرات أو صدر في حقه حكم بالاعدام. خضع لبضعة معايير تصفها نجم بأنها موضوعية، صار في ضوئها الى تصنيف المحكومين والموقوفين في فئات ثلاث:
أولى، الذين انهوا عقوبتهم ويفترض خروجهم، الا انهم لا يزالون موقوفين بسبب تعذر تسديدهم غرامة اطلاقهم.
ثانية، المحكومون الذين تبقى من تنفيذ احكامهم ما يقل عن اربعة اشهر.
ثالثة، المصابون بامراض مزمنة كالسرطان وفقدان المناعة وسواهما والمتقدمون في السن. وهم اول المرشحين لفقدانهم حياتهم في حال تغلغلت الجائحة في السجون.
على هامش اجتماع المجلس الاعلى للدفاع، تسلمت نجم من المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان لائحة بعدد السجناء والموقوفين في سجون لبنان ويبلغ 9500، تدنى هذا العدد منذ نهاية آذار الفائت الى 8256 مسجوناً بسبب اخلاء عدد منهم، واجراء استجوابات من بعد مع عدد آخر، فضلاً عمن انتهت مدة تنفيذهم الاحكام فخرجوا. مع ذلك، فإن قرار اطلاق المشمولين باللائحة يعود الى رئيس الجمهورية، صاحب الصلاحية الدستورية في اصدار عفو خاص.
من غير المألوف اصدار عفو خاص بعدد كبير يبلغ مئات من المحكومين او الموقوفين. في الغالب يطبق رئيس الجمهورية هذه الصلاحية على افراد قليلين، كل في مرسوم مستقل. الا ان التعاطي مع هذا الاستحقاق على نحو موسع، يأخذ في الاعتبار الوضع الاستثنائي في البلاد، وصعوبة التوصل قريباً – رغم استمرار الاجتماعات – الى اصدار مجلس النواب قانون عفو عام من جراء تعدد الاقتراحات التي بلغت خمسة حتى الآن، وانقسام سياسي حاد يشوب الكتل النيابية بين مؤيد ومعارض، وفي جانب رئيسي من الانقسام المذهبي في هذا الفريق أو ذاك. أضف ان مَن تشملهم مداولات العفو العام وارتكاباتهم مختلفة تماماً عن اولئك المشمولين بالعفو الخاص. ولذا سيحتاج الى وقت طويل للاتفاق عليه.
بيد ان مرسوم العفو الخاص ينعش الذاكرة، في نطاق الصلاحية الحصرية لرئيس الجمهورية، بالتذكير بمراسيم منح الجنسية اللبنانية صدرت بالمئات اولاً عشية اختتام ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، ثم في السنة الثانية من ولاية عون نشأت على اثرها اعتراضات، الا انها أُهملت. حينذاك في مراسيم منح الجنسية بالمئات، صعدت الى الأنوف رائحة كريهة عن اموال ضخمة استفاد منها رؤساء ووزراء وقيادات ادرجوا اسماء منحت الجنسية اللبنانية، بينها مطلوبون وفارون من بلدانهم. الواقع ان منح الجنسية امتياز دستوري لرئيس الجمهورية، على غرار مرسوم العفو الخاص الذي هو امتياز دستوري له ايضاً، بفارق جوهري ان الرئيس يمنح الجنسية للاجنبي الذي يقدم خدمات جلى للبنان فيحظى بدوره بالامتياز، بينما مرسوم العفو الخاص يرتبط باسباب انسانية محض.
خلافاً للعفو العام، العفو الخاص لا يمحو الفعل الجرمي
لا تصح المقاربة مع مرسوم العفو الخاص سوى من باب حصر الصلاحية برئيس الدولة. لكن منحها اوسع هامش هو لضم اكبر عدد من المستفيدين من المرسوم الخاص.
وفق حيثيات ابرزتها وزيرة العدل في وضعها معايير مرسوم العفو الخاص:
1- تميل الى اطلاق هؤلاء في ثلاثة مراسيم منفصلة، بحيث تدرج كل فئة من المحكومين في مرسوم مستقل.
2- لم يأخذ اطلاقهم في الاعتبار الانتماء الطائفي على انه هدف في ذاته، بل اعتماد تصنيف الفئات الثلاث بحيث يصبح مرشحاً للعفو عنه كل مَن ينطبق عليه المعيار المعني به.
3- خلافاً لقانون العفو الذي يصدر عن مجلس النواب، ويكتفي باعلان عفو عام عن مرتكبي جرائم في مرحلة في الغالب ترتبط بنزاعات اهلية كما حدث عام 1991 او بتسوية سياسية كما حدث عام 2005، يرتكز العفو الخاص على تحديد اسماء الذين يشملهم وصدرت في حقهم احكام مبرمة ويقتصر عليهم حصراً، بينما العفو العام يحتمل ان يشمل ليس المحكومين فحسب، بل ايضاً المتوارين من العدالة والفارين. وهو ما لا يتوخاه مرسوم العفو الخاص.
4- مجرد صدور عفو عام عن مجلس النواب يؤدي الى زوال الصفة الجرمية عن المحكومين. وهو بذلك اقرب الى ممحاة لما ارتكبوا، في حين ان العفو الخاص لا يزيل هذه الصفة بل يقلص العقوبة او قسماً منها، ويبرر سبب اطلاقهم بدوافع انسانية او صحية، من غير إسقاط الصفة الجرمية. لذا تكمن اهمية المرسوم الخاص في صدوره عن الصلاحية الحصرية لرئيس الجمهورية على انه اجراء استثنائي.