أربعة أشهر على الكارثة.. و«الحوار» لطمرها اليوم
300 دولار كلفة طن النفايات.. من المستفيد؟
لا يعقل ما يحصل في ملف النفايات. أربعة أشهر مرت على إقفال مطمر الناعمة، من دون أن تتمكن السلطة من إيجاد بديل له، علماً أن قرار إقفال المطمر كان قد اتخذ منذ نحو سنة، والدولة، أي دولة، يفترض أن تكون قد استعدت سلفاً لتنفيذ قرار الإقفال. ذلك لم يحصل، لا قبل الإقفال ولا بعده. تُركت الأمور تسير نحو المجهول، عمداً على ما يردد كثر. ثمة من يلمّح إلى قرار بإغراق اللبنانيين في نفاياتهم. لم يُعرف السبب إن كان مرتبطاً بالمحاصصة أو بالسياسة. لكن الأكيد أن الأمور أفلتت من يد من خطط لها. أُوحي أن الحل السحري يكمن في المناقصة، لكن تحت ضغط الشارع وعدم رضى البعض عن القسمة، طارت المناقصة. تنبهت الحكومة فجأة أن البلديات هي السلطة المخولة دستوراً إدارة النفايات ومعالجتها. هذا الاكتشاف لم يترافق مع محاسبة من كان يخالف القانون منذ عشرين عاماً.
عندما استلم الوزير أكرم شهيب الملف منذ شهرين، تنفس كثر الصعداء، متوقعين أنه الأقدر على ابتداع «وصفة سحرية». حتى ذلك بدا وهماً. سريعاً تبين أن القصة أكبر من قدرة السلطة برمتها على معالجتها. البحث في فرز النفايات طائفياً لم يكن سهلاً. قضية المطامر كانت أكبر من الحكومة، ولا تزال. لكن مع ذلك لم يخرج من يعلن الفشل أو يتحمل المسؤولية، فيستقيل.
اليوم تنعقد طاولة الحوار. عناوين كبيرة وُضعت لها، لم تكن النفايات من بينها. كيف لمن لا يستطيع أن يجمع النفايات من الشوارع أن ينتخب رئيساً أو أن يقر قانوناً انتخابياً؟ لا إجابة. لكن ما بدا جلياً أن النفايات تسللت إلى الطاولة في أكثر من جلسة نظراً لأولويتها على كل الملفات. رئيس الحكومة أكد في الاجتماع الأخير أن السياسيين يتحملون مسؤولية الفشل في إدارة الملف. وعدوه ثم وعدوه، قبل أن يتبين أن الأمر يراوح مكانه.
تم الاتفاق على المطمر السني في سرار، ليستوعب نفايات بيروت (600 طن) والشمال (نحو ألف طن)، ثم تبرع الرئيس سعد الحريري باستقبال النفايات المسيحية الآتية من منطقتي كسروان والمتن (800 طن)، من دون أخذ الاعتراضات الأهلية التي تواجه فتح مطمر سرار بعين الاعتبار.
في المنطق السلطوي الذي يعتبر الناس مجرد أتباع، كان كافياً رشوة أهالي عكار بمئة مليون دولار، ثم رشوتهم لاحقاً بالقول إن الأولوية ستعطى لهم في مسألة النقل، حيث يصار إلى الاعتماد على شاحنات وسائقين من أبناء المنطقة.
المطمر الشيعي ظل هو المشكلة. في البقاع تبين أن الأمر صعب لأسباب عشائرية وأمنية، فانتقلت العين إلى الجنوب. قيل إن «حزب الله» و «أمل» وافقا على إنشاء مطمر قرب بلدة أنصار في النبطية يستوعب نفايات الضاحية الجنوبية.
نام أكرم شهيب يوم الجمعة الماضي مطمئناً إلى أن مجلس الوزراء سيُقر خطته يوم الإثنين. لكن يوم السبت حمل في طياته عقبة جديدة. ليس المطمر الجنوبي هو الوجهة، إنما «الكوستابرافا» في خلدة.
عادت الأمور إلى نقطة الصفر. وصار النائب طلال ارسلان في الواجهة. زاره وفد من «حزب الله» و «أمل» يطلب منه الموافقة على الاقتراح، لكن «الأمير» رفع صوته عالياً رفضاً للاقتراح. تم اقتراح مكان بديل لا يبعد كثيراً عن «الكوستابرافا»، فبدت لهجة ارسلان اكثر ليونة، لكنه أكد أن القرار بشأنه سيُتخذه بالتشاور مع أهالي الشويفات والمشايخ، على أن يعلنه اليوم بعد التئام طاولة الحوار.
كل ما يجري حالياً لا يأخذ بالاعتبار مسألة الكلفة. في الأساس، قيل إن الدافع لاستبدال «سوكلين» كان أسعارها المرتفعة. فض العروض أثبت أن التركيبة اعتراها بعض الخلل. أُعلن عن أسعار أغلى من أسعار «سوكلين»، فطارت المناقصة. لم يتضح حينها أين القطبة المخفية، لكن جُلَّ ما عُرف أن المناقصة طارت.
كم الكلفة؟
في الخلاصة، وبعد الكارثة البيئية والصحية التي رافقت الأزمة، نجحت السلطة في تحييد مسألة الأسعار، بعدما صارت الأولوية المطلقة هي لسحب النفايات من الشوارع. وهو إنجاز يُسجل للطبقة المستفيدة من ثروة النفايات. مئة دولار للطن أو 500 لا فرق. ولهذا يبدو أن الأمور تتجه لتحطيم كل الأرقام القياسية في سعر الطن الواحد.
1250 طناً هي المقدر نقلها من بيروت والمتن وكسروان إلى سرار.. ومع افتراض أن كل شاحنة يمكن أن تحمل 20 طناً، فهذا يعني أن الكمية المتوقعة بحاجة إلى 63 شاحنة يومياً. وكلفة نقل الطن في الحد الأدنى هي 20 دولاراً، وهي ربما تصل إلى 30 دولاراً، ما يعني أن كلفة الشحنة ستترواح بين 400 دولار و600 دولار. ويضاف إلى هذه الكلفة ما ستحصل عليه «سوكلين» لقاء استمرار عقد الجمع والكنس البالغ 45 دولاراً، أضف إلى كلفة الفرز والتغليف التي تقارب الخمسين دولاراً. وفيما تردد أن كلفة تجهيز مطمر سرار، التي لُزمت إلى جهاد العرب بدون مناقصات، بلغت حتى الآن 20 مليون دولار، يتوقع أن تبلغ كلفة الردم والمعالجة نحو 50 دولاراً. وبهذا تصل كلفة الطن إلى 175 دولاراً، من دون احتساب الأكلاف المتفرقة وكلفة تجهيز الشاحنات والأضرار التي يمكن أن تنتج من انتقال أكثر من ستين شاحنة يومياً لهذه المسافة الطويلة، مع عدم استبعاد تسرب العصارة على طول الطريق (بالرغم من نفي المعنيين لاحتمال كهذا ربطاً بمسألة التغليف). والأهم أن كل هذه الكلفة تتعلق بمطمر واحد، وسيضاف إليها كلفة النقل إلى المطمر الثاني، والتي تتشابه في كل التكاليف باستثناء كلفة النقل، إذا ما اعتمد المطمر القريب من المطار. أي أن الكلفة النهائية للطن الواحد لن تقل عن 300 دولار في الحد الأدنى. فمن سيستفيد من الصفقة الجديدة؟