4 عوامل قد تكون تسبَّبت في إستنفار التحالف اللبناني – السوري على «لوحة الجلاء»
إنزعاج دمشق يتخطّى التيار الحُرّ إلى بعض حلفائها ولرغبتها في توكيد حضورها
قد يكون أحد عوامل الإنزعاج السوري تنبيه دمشق للحلفاء بأن مصالحها يجب أن تبقى في بالهم
لم يكن مفهوماً إستنفار التحالف اللبناني – السوري المشترك الذي نتج من دعوة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى وضع لوحة على صخور نهر الكلب تؤرخ جلاء الجيش السوري عن لبنان في نيسان 2005. ذلك أن الخطاب الرسمي للتيار لم يتغيّر لا قبل العام 2005 ولا بعده، في توصيف وجود الجيش السوري في لبنان، وجلّ ما قاله الرجل هو عبارة عن دعوة الى «وضع لوحة عن الإنسحاب السوري من لبنان، فهكذا ننسجم مع تاريخنا لأننا ناضلنا حين كان النضال واجباً وصالحنا عندما حان وقت المصالحة».
إستنفر التحالف من غير أن يجد سوى رد يتيم من التيار يشير بوضوح الى أن باسيل كان يتحدث عن «واقعة تاريخية لا خلاف عليها وهي انسحاب الجيش السوري من لبنان من دون ذكرٍ منه لأي وصفٍ للجيش السوري في حينه، علماً ان موقف التيار من هذا الموضوع معروف ممّا اذا كان وجود الجيش السوري آنذاك وصاية او احتلالاً، الّا ان الأمر في حالتيه لا يغيّر من واقعة الانسحاب في 26 نيسان 2005».
وسبق للتيار أن وضع عام 2005 وفي المكان عينه لوحة تذكارية في الموضوع نفسه وفي حضور باسيل، قبل أن تُزال تحت جنح ليل.
إذاً، ما الذي تغيّر حتى إستنفر التحالف، لينضم إليه السفير علي عبد الكريم علي، لو بلهجة مخفّفة، متحدثاً عن «إستفزاز للشارع السوري والقيادة في دمشق» وعن أن «بعض الكلام قد لا يكون منسجماً مع الخط السياسي الذي يقوده التيار الوطني الحر أو الرئيس عون ولا يراعي العلاقة الأخوية بين البلدين».
ثمة من المراقبين من يذهب عميقاً في تحليل الموقف السوري وتبعاته، ربطاً بمجموعة تطورات محلية (شطط لدى حلفائها) وسورية تتعلّق بتطور الحرب هناك وما نتج عنه من مفاعيل عربية، ليس أقلها غزل خليجي – سوري: علني في نيويورك على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومستتر يتعلّق تحديداً بتنسيق غير معلن.
يعتقد هؤلاء أن هذا التصويب المشترك يتخطى التيار، ليتّجه مباشرة صوب القوات اللبنانية التي إنبرى أحد نوابها، شوقي الدكاش، الى تلقّف دعوة باسيل فتقدم بطلب لوضع لوحة تذكارية. والغرض من التصويب، بحسب المراقبين، قد يعود الى:
1-الرغبة في توكيد العودة المتدرّجة للحضور السوري المباشر في لبنان عبر السفارة، بعدما كان حلفاء دمشق، وتحديداً حزب الله، قد تصدوا في الفترة ما بعد العام 2005 الى هذه المهمة.
2-الرغبة في الظهور بمظهر المقتدر، ربطاً بالتطورات المتّصلة بالحرب السورية والتي تُقرأ على أنها في مصلحة دمشق وحلفائها، وخصوصاً في ضوء شبه إنعطافة عربية في إتجاه تطبيع تدريجي للعلاقة مع النظام.
3-الرغبة في تأكيد دمشق أن الحرب لم تُثنها أو تُنهِها عن حضورها الخارجي، وتحديداً في لبنان. هي بالتأكيد ليست في وارد إستعادة ما كانت عليه الحال قبل 14 شباط 2005، لكنها بذلك أرادت توجيه رسالة مفادها الآتي: دورها السياسي وغير السياسي بعد ذلك الزلزال لم ينتفِ بإنتفاء وجودها العسكري، وهو باقٍ ومستمر بآليات وطرق أخرى، مباشرة أو بقوة الحلفاء.
4-الرغبة في لفت بعض الحلفاء، وربما تنبيههم الى أن تأثير دمشق السياسي في لبنان ومصالحها يجب أن يبقى في بالهم. وقد يكون تيار «المردة» معنياً مباشرة بهذه المسألة، الى جانب حلفاء آخرين ممن وضعت عليهم وحولهم علامات إستفهام وأكثر.
ويعتقد المراقبون أن هذا الإستنفار المشترك سيبقى محدوداً وسيستنفد قريباً الغاية منه، نظراً الى أن مقاربة القيادة السورية للموقف الرسمي اللبناني اكثر شمولاً وتشعباً، الى جانب إدراكها بأن التيار الوطني الحر عادى متى كان لا مفر من المعاداة، وصالَحَ مع الإنسحاب يوم إنتفت العناصر المغذّية لها، وهذا خطابه الرسمي الذي لم يحد عنه يوماً.