Site icon IMLebanon

4 أشهر قبل قرار تغيير السياسة الماليّة في العالم

 

بعد أربعة اشهر فقط سوف يتغير المسار الاقتصادي الاميركي والعالمي، وهو الوقت الذي يفصلنا عن تغيير وضعية الفدرالي الاميركي. وفي هذه الفترة الفاصلة، تتزاحم التساؤلات في وول ستريت، سيما حول هوية من سيخلف جانيت يلين، وكيف ستؤثر سياسة رئيس الفدرالي الجديد على اسواق المال في اميركا والعالم.

لا يبدو الوضع مريحا اليوم، خصوصا بعد تنحي ستانلي فيشر مما يعني ان على ترامب ان ينصب خمسة اعضاء جدد في الفدرالي، اذا ما سلمنا جدلًا انه سيستبدل يلين. وسيكون لقرار الاستبدال تأثيره المباشر على مسار السياسة النقدية للسنوات المقبلة.

تضع توقعات الاسواق كيفين وارش في طليعة الاشخاص الذين قد يخلفون يلين. وارتفع نجم وارش على حساب غاري كوهن، المسؤول السابق في شركة غولدمان ساكس، وكبير المستشارين الاقتصادين لترامب. لذلك قد تكون التعيينات المقبلة في مجلس الاحتياطي الفدرالي هي الاهم وستشكل تغيرات في الاحوال المالية العالمية لسنوات قادمة، والاسباب عديدة كما نعرفها.

اذ ان العديد من البلدان تعادل قيمة عملاتها مقابل الدولار الاميركي وتقلد الى حد بعيد السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفدرالي. على سبيل المثال، اذا قام مجلس الاحتياطي الفدرالي بتشديد السياسة النقدية عن طريق رفع اسعار الفوائد فان الدول التابعة لنظام الدولار سوف تفعل نفس الشيء والعكس بالعكس. ويمكن القول ان حوالي ٧٠ بالمائة من الاقتصاد العالمي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدولار.

وبعبارة اخرى، جانيت يلين رئيسة الاحتياطي الفدرالي تضع السياسة النقدية ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية ولكن لمعظم الاقتصاد العالمي. والسبب الثاني لسيطرة الولايات المتحدة الاميركية على النظام المالي العالمي هو موقفها كمصرفٍ مرجع في العالم. والامر الاكيد ان النظام المالي الاميركي صلب بشكل جعل اميركا تملك من الاصول الآمنة ما يقدر بـ ٨،٥ تريليون دولار.

كل ذلك يجعل من تعيينات الفدرالي ذات اهمية كبرى من خلال ما له من تأثير على السياسات النقدية في بلدان كتلة الدولار ومن خلال الاشراف المصرفي على النظام المالي العالمي.

اما الاحتمالات في اعادة انتخاب يلين فقد بدأت تتزايد. وفي دراسة قامت بها «ان بي سي» توقع ٣٨ في المئة من المستطلعين ان يوقع ترامب اعادة تعيين يلين رئيسة لمجلس الاحتياطي الفدرالي بزيادة ١٠ بالمائة عن الدراسة الاستقصائية في تموز، بينما تراجعت خطورة كوهين سيما بعد الانتقادات التي وجهها اثر احداث فرجينيا في الصيف.

تثير اعادة تعيين يلين امورا عدة اقلها اقتناع ترامب بسياسة يلين وحكمتها من خلال مدافعتها الشرسة عن الـ Dodd Frank او اقتناعه بأنه لا يستطيع السيطرة على سياسة يلين ومجلس الاحتياطي الفدرالي، وظهور مؤشرات اقتصادية عزّزت امكانية يلين وسياستها المالية.

ونادرا ما يكون للسياسيين فرصة اجراء تغييرات جذرية على الساحة الاقتصادية العالمية وترشيح رئيس جديد لمجلس الاحتياطي الفدرالي هو احد تلك الاوقات.

لذلك هنالك عدة امور وجب اخذها بالاعتبار اذا ما قرر ترامب اعادة تشكيل مجلس الاحتياطي الفدرالي. ولا شك ان خروج ستانلي فيتش المبكر من المجلس يجعل ترامب في مواجهة قرارات كبيرة وحازمة واهمها قد يكون الاستمرارية على رأس البنك المركزي في البلاد.

جدير بالذكر، ان سياسات الرؤساء السابقين للولايات المتحدة دافعت دائمًا على الاستمرارية واستقرار الاسواق المالية. وكون ترامب رجل اعمال، من غير المستبعد ان يركز على اعادة انتخاب يلين في المجلس.

يبقى القول ان المهمة صعبة ورئاسة الفدرالي امر صعب للغاية. اذ أن Carter glass ومعه الذين اسسوا لهذا الصرح في العام ١٩١٣ بنوا مؤسسة متنوعة في هيكلها. ونقل تباين الاراء بين ١٢ مصرفا احتياطيا وتوافقها واتخاذ اجراءات متعلقة بالسياسات النقدية يتطلب ادارة بارعة واحيانًا جرعة كبيرة من الارادة.

وحسب فيشر فان يلين، وان كانت تبدو سهلة في بعض الاحيان، الا انها اصعب بكثير مما نعتقده. اضف الى ذلك ان هناك اختبارات اساسية في التعيين من حيث الوفاء للرئيس وتشابه الآراء تجارب رئيسية. كل ذلك مع الاحترام الشديد لعامل الاستقلالية لمجلس الاحتياطي الفدرالي. اضف الى ذلك، التحديات الاقتصادية.

وستؤثر تعيينات ترامب على كيفية ادارة عدة مسائل اقتصادية اكثر دقة لا سيما الصلة بين البطالة والتضخم. كذلك رفع اسعار الفوائد وتأثيرها بالتالي على الاصول ووال ستريت والاسواق، كذلك على الادخار والاستثمار وجميع المؤشرات الاقتصادية. اذا كانت يلين تودّ السير ببطء وترقّب لهذه الامور، فان ترامب وحسب رأيه يجب الاسراع بها من اجل زيادة الاستثمار في الاصول الاميركية.

كل هذه الامور مجتمعة تجعل من هذه الفترة حسّاسة للغاية، والاقتصاديون في العالم في حالة ترقب نظرا الى اهمية الموقع وما ينتج عنه من الناحية التنظيمية وتوفير الاصول الآمنة وبيئة مستقرة ومسار نمو مستقر. الامر الذي يجعل الحاكم المقبل ذات اهمية كبرى لما يترتب على تعيينه من امور ليس فقط اميركية الشأن انما عالمية ايضًا.

وترامب الذي انتقد يلين اثناء الحملة الانتخابية خفف لهجته بعد توليه منصبه قائلًا انه يحترم يلين وسوف ينتظر ليرى كيف ستجري الامور مع عدم استبعاد تعيين غيرها لهذا المنصب. ورغم ان كلام يلين في جاكسون هول جاء قاسيًا مما دفع الكثيرين للقول انها حكمت على نفسها وتنحت قبل وقتها، لكن تبين ان كلامها الواضح لم يثر غضب ترامب كما حاول البعض الايحاء.

تعتبر يلين اقتصادية بارعة وتعلم علم اليقين ما قد يترتب عن تفكيك Dodd- frank لا سيما ونحن ما نزال في فترة اعادة هيكلة مالية ونحاول الابتعاد قدر الامكان عن الهزات الني تعيد الاقتصاد الى الوراء. وسياستها المتأنية من حيث اسعار الفوائد والتي اثارت غيظ ترامب كانت مدروسة للغاية بغض النظر عمّا يريده ترامب في الواقع.

هذا هو الوضع الحالي، ونحن ما نزال على بعد اربعة اشهر فقط من هذا التعيين علمًا ان البديل لها ليس بذات الكفاءة والقدرة والالمام بالامور المالية، وعلمًا ان الوضعية العالمية دقيقة وتحتاج الى مزيد من الحنكة في الاداء.

لذك قد لا يكون من المستبعد ان يعيد ترامب ما سبق لاسلافه ان فعلوه وهو احياء الاستمرارية في الفدرالي (التمديد أو التجديد) خوفًا من اي خضات اقتصادية.